للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صَاحب (الْعين) جرست النَّحْل بالعسل يجرسه جرسا وَهُوَ لحسها إِيَّاه، والعرفط بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَالْفَاء وَسُكُون الرَّاء وبالطاء الْمُهْملَة من شجر الْعضَاة، والعضاة كل شجر لَهُ شوك، وَإِذا استيك بِهِ كَانَت لَهُ رَائِحَة حَسَنَة تشبه رَائِحَة طيب الند، وَيُقَال: هُوَ نَبَات لَهُ ورقة عريضة تفترش على الأَرْض لَهُ شَوْكَة حجناء وَثَمَرَة بَيْضَاء كالقطن مثل ذَر الْقَمِيص خَبِيث الرَّائِحَة يلحسه النَّحْل وَيَأْكُل مِنْهُ ليحصل مِنْهُ الْعَسَل، قيل: هُوَ الشّجر الَّذِي صمغه المغافير. قَوْله: (يَا صَفِيَّة) أَي: بنت حييّ أم الْمُؤمنِينَ قَوْله: (ذَاك) إِشَارَة إِلَى قَوْله: (أكلت المغافير؟) قَوْله قَالَت: تَقول سَوْدَة أَي: قَالَت عَائِشَة حِكَايَة عَن قَول سَوْدَة لما دخل عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (فوَاللَّه) إِلَى قَوْله: (فَلَمَّا دنا مِنْهَا) مقول سَوْدَة. قَوْله: (مَا هُوَ إلاّ أَن قَامَ على الْبَاب) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَأَرَدْت أَن أناديه) بالنُّون من المناداة. هَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر، وَفِي أَكثر الرِّوَايَات: أبادئه، بِالْبَاء الْمُوَحدَة والهمزة، من المبادأة وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: أبادره، من الْمُبَادرَة، وَهِي المسارعة. قَوْله: (فرقا مِنْك) أَي: خوفًا. وَالْخطاب للعائشة. قَوْله: (فَلَمَّا دنا مِنْهَا) أَي: فَلَمَّا دنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَوْدَة. قَوْله: (فَلَمَّا دَار ءلى) من الدوران، مَعْنَاهُ: لما دخل عَلَيْهَا، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، قَالَ الْكرْمَانِي: فَلم دَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهَا وَلم يكن لَهَا نوبَة. فَأجَاب بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يدْخل عَلَيْهَا ويتردد إِلَيْهَا، أَو كَانَ هَذَا قبل هبة نوبتها، وَكَذَا معنى قَوْله: (فَلَمَّا دَار إِلَى صَفِيَّة) . قَوْله: (قَالَت لَهُ مثل ذَلِك) أَي: مثل مَا قَالَت سَوْدَة: (جرست نحلة العرفط) فَإِن قلت: قَالَ عِنْد إِسْنَاد القَوْل إِلَى صَفِيَّة مثل ذَلِك، وَفِي إِسْنَاده إِلَى سَوْدَة نَحْو ذَلِك أَي نَحْو مَا قَالَت عَائِشَة لِأَنَّهَا أَيْضا قَالَت، لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا قبل عَن عَائِشَة، وسأقول ذَلِك، وَقَوْلِي أَنْت يَا صَفِيَّة. قلت: قَالَ بَعضهم مَا ملخصه: إِن عَائِشَة لما كَانَت مبتكرة لهَذَا الْأَمر، قيل: نَحْو ذَلِك لهَذَا الْأَمر، وَأما صَفِيَّة فَإِنَّهَا كَانَت مأمورة بِهِ، وَلَيْسَ لَهَا تصرف قيل مثل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: رجعت إِلَى سِيَاق أبي أُسَامَة فَوَجَدته عبَّر بِالْمثلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فغلب على الظَّن أَن تَغْيِير ذَلِك من ترف الروَاة. قلت: لم يذكر جَوَابا بشفي العليل وَلَا يروي الغليل، فَإِذا علم الْفرق بَين النُّجُوم والمثل علمت النُّكْتَة فِيهِ، فالنحو فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْقَصْد، يُقَال: نحوت نَحْوك أَي: قصدت قصدك، وَمثل الشَّيْء شُبْهَة ومماثل لَهُ، ثمَّ إِنَّهُم يستعملون لفظ النَّحْو بِمَعْنى الْمثل إِذا كَانَ لَهُم قصد كلي فِي بَيَان الْمُمَاثلَة، بِخِلَاف لَفْظَة الْمثل، فَإِن فِيهَا مُجَرّد بَيَان الْمُمَاثلَة مَعَ قطع النّظر عَن غَيرهَا، وَلما كَانَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قاصدة بِالْقَصْدِ الْكُلِّي تَبْلِيغ هَذِه الْكَلِمَة، أَعنِي لفظ: (جرست نحله العرفط) قَالَت سَوْدَة: نَحْو ذَلِك، بِخِلَاف صَفِيَّة فَإِنَّهَا لم تقصد ذَلِك أصلا، وَلكنهَا قالته للامتثال، وَلَا يَنْبَغِي أَن يظنّ فِي الروَاة التَّغْيِير بِالظَّنِّ الْفَاسِد، فَأَقل الْأَمر فِيهِ أَن يُقَال: هَذَا من بَاب التفنن فَإِن فِيهِ تَحْصِيل الرونق للْكَلَام فَافْهَم قَوْله: (جرمناه) بتَخْفِيف الرَّاء الْمَفْتُوحَة أَي: منعناه، من حرم يحرم من بَاب ضرب يضْرب، يُقَال: حرمه الشَّيْء يحرمه حرما بِالْكَسْرِ وَحرمه كَذَلِك وحريمه وحرمانا إِذا مَنعه، وَكَذَلِكَ أحرمهُ، وَأما حرَّم الشَّيْء بِضَم الرَّاء فمصدره: حُرْمَة بِالضَّمِّ. قَوْله: (قلت لَهَا: اسلتي) أَي: قَالَت عَائِشَة لسودة كَأَنَّهَا خشيت أَن يفشو ذَلِك فَيظْهر مَا دَبرته من كيدها لحفصة.

ثمَّ اعْلَم أَن فِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: أَن الْغيرَة مجبولة فِي النِّسَاء طبعا، فالغيري تعذر فِي منع مَا يَقع مِنْهَا من الاحتيال فِي وَقع ضَرَر الضرة. وَمِنْهَا: مَا فِيهِ بَيَان علو مرتبَة عَائِشَة عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كَانَت ضَرَّتهَا تهابها وتطيعها فِي كل شَيْء تأمرها بِهِ حَتَّى فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة مَعَ الزَّوْج الَّذِي هُوَ أرفع النَّاس قدرا. وَمِنْهَا: أَن عماد الْقسم اللَّيْل وَإِن النَّهَار يجوز فِيهِ الِاجْتِمَاع بِالْجَمِيعِ بِشَرْط ترك المجامعة إلَاّ مَعَ صَاحِبَة النّوبَة، وَمِنْهَا: أَن الْأَدَب اسْتِعْمَال الْكِنَايَات فِيمَا يستحي من ذكره كَمَا فِي قَوْله فِي الحَدِيث: فيدنو مِنْهُنَّ وَالْمرَاد التَّقْبِيل والتحضين لَا مُجَرّد الدنو، وَمِنْهَا: أَن فِيهِ فَضِيلَة الْعَسَل والحلواء لمحبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُمَا. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ بَيَان صَبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَايَة مَا يكون وَنِهَايَة حلمه وَكَرمه الْوَاسِع.

٩ - (بابٌ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكاحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَنه: لَا طَلَاق قبل وجود النِّكَاح. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَذْهَب الْحَنَفِيَّة صِحَة الطَّلَاق قب النِّكَاح، فَأَرَادَ البُخَارِيّ الرَّد عَلَيْهِم. قلت: لم تقل الْحَنَفِيَّة: إِن الطَّلَاق يَقع قبل وجود النِّكَاح، وَلَيْسَ هَذَا بِمذهب لأحد، فالعجب من الْكرْمَانِي وَمن وَافقه فِي كَلَامه هَذَا كَيفَ يصدر مِنْهُم مثل هَذَا الْكَلَام، ثمَّ يردون بِهِ عَلَيْهِم من غير وَجه، وَإِنَّمَا تشبثهم فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>