الْكرْمَانِي: ذكر الْعَسَل بعده للتّنْبِيه على شرفه، وَهُوَ من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : قَالَ الْعلمَاء: المُرَاد بالحلواء هُنَا كل شَيْء حُلْو، وَذكر الْعَسَل بعْدهَا تَنْبِيها على شرفه ومزيته وَهُوَ من بَاب ذكر الْخَاص بعد الْعَام. وَقَالَ بَعضهم: ولتقديم كل مِنْهُمَا على الآخر جِهَة من جِهَات التَّقْدِيم، فتقديم الْعَسَل لشرفه وَلِأَنَّهُ أصل من أصُول الْحَلْوَاء وَلِأَنَّهُ مُفْرد والحلواء مركب، وَتَقْدِيم الْحَلْوَاء لشمولها وتنوعها لِأَنَّهَا تتَّخذ من الْعَسَل وَغَيره، وَلَيْسَ ذَلِك من عطف الْعَام على الْخَاص كَمَا زعم بَعضهم، وَإِنَّمَا الْعَام الَّذِي يدْخل الْجَمِيع فِيهِ انْتهى قلت: الظَّاهِر أَن تشنيعه على الْكرْمَانِي لَا وَجه لَهُ لِأَن الصَّرِيح من كَلَامه أَنه من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد آتناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} (الْحجر: ٧٨) وَقَوله: إِنَّمَا الْعَام الَّذِي يدْخل فِيهِ الْجَمِيع يرد عَلَيْهِ كَلَامه: لِأَن الْحَلْوَاء يدْخل فِيهَا كل شَيْء حُلْو، كَمَا ذكره النَّوَوِيّ، فَكيف يَقُول: وَلَيْسَ ذَلِك من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص؟ وَهَذِه مُكَابَرَة ظَاهِرَة، فَأَما النَّوَوِيّ فَإِنَّهُ صرح بِأَنَّهُ من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح} (الْقدر: ٤) وكل مِنْهُمَا ذكر مَا يَلِيق بالْمقَام.
قَوْله: (الْعَسَل) ، وَهُوَ فِي الأَصْل يذكر وَيُؤَنث. قَوْله: (والحلواء) فِيهِ الْمَدّ وَالْقصر، قَالَه ابْن فَارس، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ مَقْصُورَة تكْتب بِالْيَاءِ، وَوَقعت فِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر بِالْقصرِ، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة بِالْمدِّ. قَوْله: (من الْعَصْر) ، أَي: من صَلَاة الْعَصْر، كَذَا ذكر فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَخَالفهُم حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة، فَقَالَ: من الْفجْر، أخرجه عبد بن حميد فِي تَفْسِيره عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد، وتساعده رِوَايَة يزِيد بن رُومَان عَن ابْن عَبَّاس، فَفِيهَا: وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الصُّبْح جلس فِي مُصَلَّاهُ وَجلسَ النَّاس حوله حَتَّى تطلع الشَّمْس، ثمَّ يدْخل على نِسَائِهِ امْرأ امْرَأَة يسلم عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ، فَإِذا كَانَ يَوْم إِحْدَاهُنَّ كَانَ عِنْدهَا ... الحَدِيث أخرجه ابْن مرْدَوَيْه. (فَإِن قلت) كَيفَ التَّوْفِيق بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ؟ قلت: رِوَايَة عَائِشَة من الْعَصْر مَحْفُوظ، وَرِوَايَة حَمَّاد شَاذَّة وَلَئِن سلمنَا فَيمكن أَن فَيمكن أَن تحمل رِوَايَة، إِذا انْصَرف من صَلَاة الْفجْر أَو الصُّبْح، على أَنه كَانَ الَّذِي يَقع مِنْهُ فِي أول النَّهَار مَحْض السَّلَام وَالدُّعَاء، وَالَّذِي كَانَ بعد الْعَصْر الْجُلُوس والاستئناس والمحادثة، أَو نقُول: إِنَّه كَانَ فِي أول النَّهَار تَارَة وَفِي آخِره تَارَة، وَلم يكن مستمرا فِي وَاحِد مِنْهُمَا. قَوْله: (دخل على نِسَائِهِ) ، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: أجَاز إِلَى نِسَائِهِ أَي: مضى قَوْله: (فيدنو من إِحْدَاهُنَّ) أَي: يقرب مِنْهُنَّ. وَالْمرَاد التَّقْبِيل والمباشرة من غير جماع. قَوْله: (فاحتبس) ، أَي: مكث زَمَانا عِنْد حَفْصَة وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: (فاحتبس عِنْدهَا أَكثر مَا كَانَ يحتبس) ، وَكلمَة مَا مَصْدَرِيَّة أَي: أَكثر احتباسه خَارِجا عَن الْعَادة. قَوْله: (فغرت) أَي: قَالَت عَائِشَة: فغرت، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَضم التَّاء: من الْغيرَة، وَهِي الَّتِي تعرض للنِّسَاء من الضرائر. قَوْله: (فَسَأَلت عَن ذَلِك) أَي: عَن احتباسه الْخَارِج عَن الْعَادة عِنْد حَفْصَة، وَوَقع فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس بَيَان ذَلِك. وَلَفظه: فأنكرت عَائِشَة احتباسه عِنْد حَفْصَة، فَقَالَت لجويرية حبشية يُقَال لَهَا خضراء: إِذا دخل على حَفْصَة فادخلي عَلَيْهَا فانظري مَاذَا تصنع، فَإِن قلت: فِي الحَدِيث السَّابِق أَنه شرب فِي بَيت زَيْنَب، وَفِي هَذَا الحَدِيث أَنه شرب فِي بَيت حَفْصَة، فَهَذَا مَا فِي (الصَّحِيحَيْنِ) ، وروى ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن شرب الْعَسَل كَانَ عِنْد سَوْدَة. قلت: قَالُوا طَرِيق الْجمع بَين هَذَا الِاخْتِلَاف الْحمل على التَّعَدُّد، فَلَا يمْتَنع تعدد السَّبَب لِلْأَمْرِ الْوَاحِد، وَأما مَا وَقع فِي (تَفْسِير السّديّ) : أَن شرب الْعَسَل كَانَ عِنْد أم سَلمَة، أخرجه الطَّبَرِيّ وَغَيره، فَهُوَ مَرْجُوح لإرساله وشذوذه. قَوْله: (أَهْدَت لَهَا) أَي: لحفصة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، (امْرَأَة من قوهمها) لم يدر اسْمهَا (عكة من عسل) وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: عسل من طائف، والعكة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف: وَهِي الزق الصَّغِير. وَقيل: آنِية السّمن. قَوْله: (أما وَالله) كلمة: أما، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم حرف استفتاح، وَيكثر قبل الْقسم. قَوْله: (لنحتالن) بِفَتْح اللَّام للتَّأْكِيد من الاحتيال. قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ على أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الاحتيال؟ فَأجَاب بِأَنَّهُ من مقتضيات الْغيرَة الطبيعية للنِّسَاء وَهُوَ صَغِيرَة مَعْفُو عَنْهَا مكفرة. قَوْله: (إِنَّه) أَي: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سيدنو مِنْك) ، وَقد مر بَيَان المُرَاد من الدنو عَن قريب. قَوْله: (فَإِذا دنا مِنْك) وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة: إِذا دخل على إحداكن فلتأخذ بأنفها، فَإِذا قَالَ مَا شَأْنك؟ فَقولِي: ريح المغافير، وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب. قَوْله: (سقتني حَفْصَة شربة عسل) وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة: إِنَّمَا هِيَ عسيلة سقتنيها حَفْصَة. ققوله: (جرست نحله العرفط) جرست بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء وَالسِّين الْمُهْملَة أَي: رعت، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي أكلت، وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute