للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَأْتِي الحوائط، فَمن رَآهُ من العبيد كلف مَا لَا يُطيق وضع عَنهُ، وَمن أقل رزقه زَاده فِيهِ. قَالَ مَالك: وَكَذَلِكَ يفعل فِيمَن يفعل من الأجراء وَلَا يطيقه، وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أوصيكم بالضعيفين: الْمَرْأَة والمملوك، وَأمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موَالِي أبي طيبَة أَن يخففوا عَنهُ من خراجه. وَفِي (التَّوْضِيح) : التَّسْوِيَة فِي الْمطعم والملبس اسْتِحْبَاب، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْعلمَاء، فَلَو كَانَ سَيّده يَأْكُل الْفَائِق ويلبس العالي فَلَا يجب عَلَيْهِ أَن يُسَاوِي مَمْلُوكه فِيهِ، وَمَا أحسن تَعْلِيل مَالك، وَهُوَ مَا ذَكرْنَاهُ الْآن من قَوْله: لَيْسَ لَهُم هَذَا الْقُوت، وَإِنَّمَا كَانَ الْغَالِب من قوتهم التَّمْر وَالشعِير، وَقد صَحَّ أَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: للمملوك طَعَامه وَكسوته بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلف من الْعَمَل مَا لَا يُطيق، فَإِن زَاد على مَا فرض عَلَيْهِ من قوته وَكسوته بِالْمَعْرُوفِ كَانَ متفضلاً مُتَطَوعا. وَقَالَ ربيعَة بن عبد الرَّحْمَن: لَو أَن رجلا عمل لنَفسِهِ خبيصاً فَأَكله دون خادمه، مَا كَانَ بذلك بَأْس، وَكَانَ يُفْتِي أَنه: إِذا أطْعم خادمه من الْخبز الَّذِي يَأْكُل مِنْهُ فقد أطْعمهُ مِمَّا يَأْكُل مِنْهُ، لِأَن: من، عِنْد الْعَرَب للتَّبْعِيض. وَلَو قَالَ: أطعموهم من كل مَا تَأْكُلُونَ، لعم الخبيص وَغَيره، وَكَذَا فِي اللبَاس. قَوْله: (فَإِن كلفْتُمُوهُمْ) فَإِن قلت: إِذا نهى عَن التَّكْلِيف فَكيف عقبه بقوله: فَإِن كلفْتُمُوهُمْ؟ قلت: النَّهْي للتنزيه قَالَه الْكرْمَانِي، وَفِيه نظر، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {لَا يُكَلف الله نفسا إلَاّ وسعهَا} (الْبَقَرَة: ٦٨٢) . وَلما لم يُكَلف الله فَوق طاقتنا، وَنحن عبيده، وَجب علينا أَن نمتثل لحكمه وطريقته فِي عبيدنا، وروى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، مَرْفُوعا: لَا تستخدموا رقيقكم بِاللَّيْلِ، فَإِن النَّهَار لكم وَاللَّيْل لَهُم. وروى معمى عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة يرفعهُ إِلَى سلمَان: أَن رجلأ أَتَاهُ وَهُوَ يعجن، فَقَالَ: أَيْن الْخَادِم؟ قَالَ: أَرْسلتهُ لحَاجَة، فَلم نَكُنْ لنجمع عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ: أَن نرسله وَلَا نكفيه عمله، ووقف عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على تَاجر لَا يعرفهُ، فَاشْترى مِنْهُ قميصين بِعشْرَة دَرَاهِم، فَقَالَ لعَبْدِهِ: إختر أَيهمَا شِئْت.

وَفِيه من الْفَوَائِد: النَّهْي عَن سبّ الرَّقِيق وتعييرهم بِمن ولدهم. وَفِيه: الْحَث على الْإِحْسَان إِلَيْهِم والرفق بهم، وَيلْحق بالرقيق من كَانَ فِي مَعْنَاهُ من أجِير ومستخدم فِي أَمر وَنَحْوهمَا، وَفِيه عدم الترفع على الْمُسلم والإحتقار. وَفِيه: الْمُحَافظَة على الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر. وَفِيه: إِطْلَاق الْأَخ على الرَّقِيق.

٦١ - (بابُ العَبْدِ إذَا أحْسنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ ونَصَحَ سَيِّدَهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل العَبْد أَو فِي بَيَان ثَوَابه إِذا أحسن عبَادَة ربه، بِأَن أَقَامَهَا بشروطها. قَوْله: (ونصح) ، من النَّصِيحَة، وَهِي كلمة جَامِعَة مَعْنَاهَا: حِيَازَة الْحَظ للمنصوح لَهُ، وَهُوَ إِرَادَة صَلَاح حَاله وتخليصه من الْخلَل وتصفيته من الْغِشّ.

٦٤٥٢ - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ العَبْدُ إذَا نصَحَ سَيِّدَهُ وأحْسَنَ عِبادَةَ رَبِّهِ كانَ لَهُ أجْرُهُ مَرَّتَيْنِ.

(الحَدِيث ٦٤٥٢ طرفه فِي: ٠٥٥٢) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن القعْنبِي وَهُوَ عبد الله بن مسلمة شيخ البُخَارِيّ. وَفِيه: حض الْمَمْلُوك على نصح سَيّده، لِأَنَّهُ راعٍ فِي مَاله، وَهُوَ مسؤول عَمَّا استرعى. قَوْله: (كَانَ لَهُ أجره مرَّتَيْنِ) ، مرّة لنصح سَيّده وَمرَّة لإحسان عبَادَة ربه.

٧٤٥٢ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثيرٍ قَالَ أخبرنَا سفْيانُ عنْ صالِحٍ عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي موساى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قالَ قالَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّمَا رَجلٍ كانَتْ لَهُ جارِيَةٌ فَأدَّبَهَا فأحْسَنَ تَأدِيبَهَا وأعْتَقَهَا وتَزَوَّجَهَا فلَهُ أجْرَانِ وأيُّما عَبْدٍ أدَّى حَقَّ الله وحقَّ مَوالِيهِ فلَهُ أجْرَانِ..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَيّمَا عبد) إِلَى آخِره لِأَن أَدَاء حق الله هُوَ معنى: أحسن عبَادَة ربه، وَأَدَاء حق موَالِيه هُوَ معنى نصح سَيّده. وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَصَالح هُوَ ابْن صَالح أَبُو حَيّ الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر، وَأَبُو بردة اسْمه الْحَارِث أَو عَامر، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس. وَالنّصف الأول من الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْجَارِيَة قد مر عَن قريب فِي: بَاب فضل من أدب جَارِيَته، وَالنّصف الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي فِيهِ أَمر العَبْد قد مر فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب تَعْلِيم الرجل أمته وَأَهله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن الْمحَاربي عَن صَالح بن حَيَّان عَن الشّعبِيّ، وَقد مر

<<  <  ج: ص:  >  >>