سَمِعت أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان تَقول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حَافظ على أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) ، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من صلى أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر حرم الله بدنه على النَّار) ، وَقَالَ شَيخنَا: وَفِيه اسْتِحْبَاب أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر، وَهُوَ كَذَلِك، وَقَالَ صَاحب (الْمُهَذّب) : إِن الْأَفْضَل أَن يُصَلِّي قبلهَا أَرْبعا، قَالَ النَّوَوِيّ فِي (شَرحه) : إِنَّهَا سنة، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْمُؤَكّد مِنْهُ. وَقَالَ فِي (شرح مُسلم) : إِنَّه لَا خلاف فِي استحبابها عِنْد أَصْحَابنَا، وَجزم الشَّيْخ فِي التَّنْبِيه بِأَن من الرَّوَاتِب قبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات، وَمِمَّنْ كَانَ يُصليهَا أَرْبعا من الصَّحَابَة: عَليّ بن أبي طَالب، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: كَانُوا يصلونَ أَرْبعا قبل الْعَصْر، وَلَا يرونها من السّنة، وَمِمَّنْ كَانَ لَا يُصَلِّي قبل الْعَصْر شَيْئا: سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَقيس بن أبي حَازِم وَأَبُو الْأَحْوَص، وَسُئِلَ الشّعبِيّ عَن الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر؟ فَقَالَ: إِن كنت تعلم أَنَّك تصليهما قبل أَن تقيم فصل، وَكَلَام الشّعبِيّ يدل على أَنهم كَانُوا يعجلون صَلَاة الْعَصْر، وَأَن من ترك الصَّلَاة قبلهَا إِنَّمَا كَانَ خشيَة أَن تُقَام الصَّلَاة وَهُوَ فِي النَّافِلَة، وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: وَالصَّوَاب عندنَا أَن الْأَفْضَل فِي التَّنَفُّل قبل الْعَصْر بِأَرْبَع رَكْعَات لصِحَّة الْخَبَر بذلك عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
تابَعَهُ كَثِيرُ بنُ فَرْقَدٍ وَأيُّوبُ عنْ نَافِعٍ
أَي: تَابع عبيد الله الْمَذْكُور كثير بن فرقد، وَكثير ضد الْقَلِيل، وفرقد، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْقَاف، وَقد مر فِي: بَاب النَّحْر بالمصلى.
قَوْله: (وَأَيوب) أَي: تَابعه أَيْضا أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَسَتَأْتِي هَذِه الْمُتَابَعَة بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع (عَن ابْن عمر، قَالَ: حفظت من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث.
وَقَالَ ابنُ أبِي الزِّنَادِ عنْ مُوسى بنِ عُقْبَةَ عنْ نَافِعٍ بَعْدَ العِشَاءِ فِي أهْلِهِ
ابْن أبي الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون: وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، وَأَبُو الزِّنَاد اسْمه عبد الله بن ذكْوَان، ومُوسَى بن عقبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف، مر فِي: بَاب إسباغ الْوضُوء. قَوْله: (عَن نَافِع) أَي: عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: (بعد الْعشَاء فِي أَهله) بدل قَوْله: (فِي بَيته) ، فِي حَدِيث الْبَاب، وَقَوله: (تَابعه كثير) إِلَى آخِره. قَوْله: (وَقَالَ ابْن أبي الزِّنَاد) ، هَكَذَا وَقع فِي عدَّة نسخ، وَكَذَا ذكره أَبُو نعيم فِي مستخرجه، وَوَقع فِي بعض النّسخ بعد. قَوْله: (فَأَما الْمغرب وَالْعشَاء فَفِي بَيته، قَالَ ابْن أبي الزِّنَاد) إِلَى آخِره، وَبعد قَوْله: (تَابعه كثير بن فرقد وَأَيوب عَن نَافِع) . فَافْهَم.
٠٣ - (بابُ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّع بَعْدَ المَكْتُوبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من لم يتَنَفَّل بعد صَلَاة الْمَكْتُوبَة أَي: الْمَفْرُوضَة، لأجل الْإِعْلَام لأمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن التَّطَوُّع لَيْسَ بِلَازِم.
٤٧١١ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفيَانُ عنْ عَمْرٍ وَقَالَ سَمِعتْ أَبَا الشَّعْثاءِ جابِرا قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ صلَّيْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمانِيا جَمِيعا وسَبْعا جَمِيعا قُلْتُ يَا أَبَا الشَّعثاءِ أظُنُّهُ أخَّرَ الظُّهْرَ وعَجَّلَ العَصْرَ وعَجَّلَ العِشاءَ وأخَّرَ المَغْربَ قَالَ وَأنَا أظُنُّهُ.
(أنظر الحَدِيث ٣٤٥ وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صلى ثمانيا جَمِيعًا أَي: الظّهْر وَالْعصر، فهم من ذَلِك أَنه لم يفصل بَينهمَا بتطوع، إِذْ لَو فصل لزم عدم الْجمع بَينهمَا، فَصدق أَنه صلى الظّهْر الَّذِي هِيَ الْمَكْتُوبَة وَلم يتَطَوَّع بعْدهَا، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله: (وَسبعا جَمِيعًا) ، أَي: الْمغرب وَالْعشَاء، وَلم يتَطَوَّع بعد الْمغرب وإلَاّ لم تَكُونَا مجتمعتين، وَأما التَّطَوُّع بعد الثَّانِيَة فمسكوت عَنهُ، وَعدم ذكره يدل على عَدمه ظَاهرا.