للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَالك رَحمَه الله تَعَالَى: السّنة فِي الشُّرُوع فِي الصَّلَاة بعد الْإِقَامَة وبداية اسْتِوَاء الصَّفّ. وَقَالَ أَحْمد: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة، يقوم. وَقَالَ زفر: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة، مرّة قَامُوا، وَإِذا قَالَ ثَانِيًا افتتحوا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: يقومُونَ فِي الصَّفّ إِذا قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، فَإِذا قَالَ: قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام، لِأَنَّهُ أَمِين الشَّرْع، وَقد أخبر بقيامها فَيجب تَصْدِيقه وَإِذا لم يكن الإِمَام فِي الْمَسْجِد فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنهم لَا يقومُونَ حَتَّى يروه. فَإِن قلت: روى مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (أُقِيمَت الصَّلَاة فقمنا فعدلنا الصُّفُوف قبل أَن يخرج إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَفِي رِوَايَة: (إِن الصَّلَاة كَانَت تُقَام لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيَأْخُذ النَّاس مَصَافهمْ قبل أَن يقوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَامه) . وَفِي رِوَايَة جَابر بن سَمُرَة: (كَانَ بِلَال يُؤذن، إِذا دحضت الشَّمْس، فَلَا يُقيم حَتَّى يخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا خرج الإِمَام أَقَامَ الصَّلَاة حِين يرَاهُ) وَبَين هَذِه الرِّوَايَات مُعَارضَة. قلت: وَجه الْجمع بَينهمَا: أَن بِلَالًا كَانَ يراقب خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ لَا يرَاهُ غَيره، أَو إلَاّ الْقَلِيل، فَعِنْدَ أول خُرُوجه يُقيم، وَلَا يقوم النَّاس حَتَّى يروه، ثمَّ لَا يقوم مقَامه حَتَّى بِعدْل الصُّفُوف. وَقَوله فِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة: (فَيَأْخُذ النَّاس مَصَافهمْ قبل خُرُوجه) ، لَعَلَّه كَانَ مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو نَحْوهمَا، لبَيَان الْجَوَاز؛ أَو لعذر. وَلَعَلَّ قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَلَا تقوموا حَتَّى تروني) كَانَ بعد ذَلِك. قَالَ الْعلمَاء: وَالنَّهْي عَن الْقيام قبل أَن يروه لِئَلَّا يطول عَلَيْهِم الْقيام، لِأَنَّهُ قد يعرض لَهُ عَارض فَيتَأَخَّر بِسَبَبِهِ.

٢٣ - (بابٌ لَا يَسْعَى إلَى الصَّلَاةِ مُسْتَعْجِلاً وَلْيُقِمْ بِالسَّكِينَةِ والوَقَارِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يقوم الشَّخْص إِلَى الصَّلَاة حَال كَونه مستعجلاً، وليقم إِلَى الصَّلَاة متلبسا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار، وَقد مر مَعْنَاهُ، وَالْفرق بَينهمَا، وَهَذَا هَكَذَا هُوَ رِوَايَة الْحَمَوِيّ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بَاب لَا يسْعَى إِلَى الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: بَاب لَا يسْعَى إِلَى الصَّلَاة وَلَا يقوم إِلَيْهَا مستعجلاً.

٦٣٨ - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عنْ عبْدِ الله ابنِ أبي قَتَادَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ قالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ (انْظُر الحَدِيث ٦٣٧) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ، وَيحيى بن أبي كثير، وَهَذَا الحَدِيث قد مر عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام عَن يحيى عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه، وَفِي هَذَا زِيَادَة على ذَلِك وَهُوَ قَوْله: (وَعَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ) ، وَهَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وكريمة، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي الْوَقْت: (وَعَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ) بِحَذْف: الْبَاء، وَكَذَا أخرجه أَبُو عوَانَة من طَرِيق شَيبَان، وَقد ذكرنَا إِعْرَاب الْوَجْهَيْنِ عَن قريب.

تَابَعَهُ عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ

أَي: تَابع عَليّ بن الْمُبَارك الْبَصْرِيّ شَيبَان عَن يحيى بن أبي كثير، وَقد وصل البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي كتاب الْجُمُعَة، وَلَفظه: (وَعَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ) بِغَيْر: بَاء. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الطرقي: تفرد شَيبَان وَعلي بن الْمُبَارك عَن يحيى بِهَذِهِ الزِّيَادَة، ورد عَلَيْهِ ذَلِك، لِأَن مُعَاوِيَة بن سَلام تابعهما عَن يحيى، ذكره أَبُو دَاوُد عقيب رِوَايَة أبان عَن يحيى، فَقَالَ: رَوَاهُ مُعَاوِيَة بن سَلام وَعلي بن الْمُبَارك عَن يحيى وَقَالا فِيهِ: (حَتَّى تروني وَعَلَيْكُم السكينَة) .

٢٤ - (بابٌ هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ؟)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يخرج الرجل من الْمَسْجِد بعد إِقَامَة الصَّلَاة لأجل عِلّة؟ أَي: ضَرُورَة؟ وَذَلِكَ مثل أَن يكون مُحدثا أَو جنبا أَو كَانَ حاقنا أَو حصل بِهِ رُعَاف أَو نَحْو ذَلِك، أَو كَانَ إِمَامًا بِمَسْجِد آخر؟ فَإِن قلت: رُوِيَ (عَن أبي هُرَيْرَة أَنه رأى رجلا يخرج من الْمَسْجِد بعد أَن أذن الْمُؤَذّن بالعصر، فَقَالَ: أما هَذَا فقد عصى أَبَا الْقَاسِم) . رَوَاهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة. قلت: هَذَا مَحْمُول على من خرج بِغَيْر ضَرُورَة، وَقد أوضح ذَلِك مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) : من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَفظه: (لَا يسمع النداء فِي مَسْجِدي ثمَّ يخرج مِنْهُ إِلَّا لحَاجَة ثمَّ لَا يرجع إِلَيْهِ إلَاّ مُنَافِق.

<<  <  ج: ص:  >  >>