للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُنْفَرد خلف الصَّفّ، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَعبد الله بن الْمُبَارك وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، وَلَكِن بأثم، إِمَّا الْجَوَاز فَلِأَنَّهُ يتَعَلَّق بالأركان، وَقد وجدت. وَإِمَّا الْإِسَاءَة فلوجود النَّهْي عَن ذَلِك وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا صَلَاة لفرد خلف الصَّفّ) ، وَمَعْنَاهُ: لَا صَلَاة كَامِلَة، كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا وضوء لمن لم يسم الله) ، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إلاّ فِي الْمَسْجِد) ، وَقَالَ حَمَّاد ابْن أبي سُلَيْمَان وإبرهيم النَّخعِيّ وَابْن أبي ليلى ووكيع وَالْحكم وَالْحسن بن صَالح وَأحمد وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر: من صلى خلف صف مُنْفَردا فَصلَاته بَاطِلَة. وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وَقد أجبنا عَنهُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث وابصة بن معبد الْأَشْجَعِيّ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رأى رجلا يُصَلِّي خلف الصَّفّ وَحده، فَأمره أَن يُعِيد. قَالَ سُلَيْمَان: الصَّلَاة) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره، وَصَححهُ أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة. وَالْجَوَاب عَنهُ أَن فِي سَنَده اخْتِلَافا، بَيَانه أَن الَّذِي يرويهِ هِلَال بن يسَاف عَن عَمْرو بن رَاشد عَن وابصة، وَمِنْهُم من قَالَ: هِلَال عَن وابصة، وَعَن هَذَا قَالَ الشَّافِعِي: لَو ثَبت الحَدِيث لَقلت بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِم: إِنَّمَا لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ لفساد الطَّرِيق إِلَيْهِ. وَقَالَ الْبَزَّار عَن عَمْرو بن رَاشد: لَيْسَ مَعْرُوفا بِالْعَدَالَةِ فَلَا يحْتَج بحَديثه، وهلال لم يسمع من وابصة، فأمسكنا عَن ذكره لإرساله. وَقَالَ أَبُو عمر: فِيهِ اضْطِرَاب وَلَا تثبته جمَاعَة. فَإِن قلت: أخرج ابْن مَاجَه فِي (سنَنه) : حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا ملازم بن عَمْرو عَن عبد الله بن بدر وحَدثني عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن شَيبَان عَن أَبِيه عَليّ بن شَيبَان، وَكَانَ من الْوَفْد، قَالَ: (خرجنَا حَتَّى قدمنَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايَعْنَاهُ وصلينا خَلفه، قَالَ: ثمَّ صلينَا وَرَاءه صَلَاة أُخْرَى فَقضى الصَّلَاة، فَرَأى رجلا فَردا يُصَلِّي خلف الصَّفّ قَالَ: فَوقف عَلَيْهِ نَبِي الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى انْصَرف قَالَ: اسْتقْبل صَلَاتك، لَا صَلَاة للَّذي خلف الصَّفّ) . وَأخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) قلت: أخرجه الْبَزَّار فِي (مُسْنده) وَقَالَ: عبد الله بن بدر، لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، إِنَّمَا حدث عَنهُ ملازم بن عَمْرو وَمُحَمّد بن جَابر، فَأَما ملازم فقد احْتمل حَدِيثه وَإِن لم يحْتَج بِهِ، وَأما مُحَمَّد بن جَابر فقد سكت النَّاس عَن حَدِيثه، وَعلي بن شَيبَان لم يحدث عَنهُ إلاّ ابنع، وَابْنه هَذَا غير مَعْرُوف، وَإِنَّمَا ترْتَفع جَهَالَة الْمَجْهُول إِذا روى عَنهُ ثقتان مشهوران، فَأَما إِذا روى عَنهُ من لَا يحْتَج بحَديثه لم يكن ذَلِك الحَدِيث حجَّة،. وَلَا ارْتَفَعت الْجَهَالَة. وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَنهُ: أَن معنى قَوْله: (لَا صَلَاة للَّذي خلف الصَّفّ) ، لَا صَلَاة كَامِلَة، لِأَن من سنة الصَّلَاة مَعَ الإِمَام اتِّصَال الصُّفُوف وسد الْفرج، فَإِن قصر عَن ذَلِك فقد أَسَاءَ وَصلَاته مجزية وَلكنهَا لَيْسَ بِالصَّلَاةِ المتكاملة، فَقيل لذَلِك: لَا صَلَاة لَهُ، أَي: لَا صَلَاة متكاملة. كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَيْسَ الْمِسْكِين الَّذِي ترده التمرة وَالتَّمْرَتَانِ) الحَدِيث، مَعْنَاهُ: لَيْسَ هُوَ الْمِسْكِين المتكامل فِي المسكنة، إِذْ هُوَ يسْأَل فَيعْطى مَا يقوته ويواري عَوْرَته، وَلَكِن الْمِسْكِين الَّذِي لَا يسْأَل النَّاس وَلَا يعرفونه فيتصدقون عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْخطابِيّ وَفِيه: دَلِيل على أَن قيام الْمَأْمُوم من وَرَاء الإِمَام وَحده لَا يفْسد صلَاته، وَذَلِكَ أَن الرُّكُوع جُزْء من الصَّلَاة، فَإِذا أَجزَأَهُ مُنْفَردا عَن الْقَوْم أَجزَأَهُ سَائِر أَجْزَائِهَا، كَذَلِك، إلاّ أَنه مَكْرُوه لقَوْله: (فَلَا تعد) ، وَنَهْيه إِيَّاه عَن الْعود إرشاد لَهُ فِي الْمُسْتَقْبل إِلَى مَا هُوَ أفضل، وَلَو كَانَ نهي تَحْرِيم لأَمره بِالْإِعَادَةِ.

وَفِيه: أَن من أدْرك الإِمَام على حَال يجب أَن يصنع كَمَا يصنع الإِمَام، وَقد ورد الْأَمر بذلك صَرِيحًا فِي (سنَن سعيد بن مَنْصُور) من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن أنَاس من أهل الْمَدِينَة: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ: من وجدني قَائِما أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا فَلْيَكُن معي على الْحَالة الَّتِي أَنا عَلَيْهَا) . وَفِي التِّرْمِذِيّ نَحوه عَن عَليّ ومعاذ بن جبل مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده ضعف، وَلكنه يعتضد بِمَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور الْمَذْكُور آنِفا. وَالله أعلم.

١١٥ - (بابُ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ)

أَي: هَذَا بَاب ي بَيَان إتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع. قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت: التَّرْجَمَة تَامَّة بِدُونِ لفظ: الْإِتْمَام، بِأَن يَقُول: بَاب التَّكْبِير فِي الرُّكُوع، فَلَا فَائِدَة فِيهِ، بل هُوَ مخل لِأَن حَقِيقَة التَّكْبِير لَا تزيد وَلَا تنقص. قلت: المُرَاد مِنْهُ أَن يمد التَّكْبِير الَّذِي هُوَ للانتقال من الْقيام إِلَى الرُّكُوع بِحَيْثُ يتمه فِي الرُّكُوع بِأَن تقع وَرَاء الله أكبر فِيهِ، وإتمام الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوع، أَو إتْمَام عدد تَكْبِيرَات الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوع. قلت: يجوز أَن يكون المُرَاد من: إتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع، هُوَ تَبْيِين حُرُوفه من غير

<<  <  ج: ص:  >  >>