الامهال، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: ليمهل، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد (وَلم يفلته) بِضَم الْيَاء أَي: لم يخلصه أبدا بِوَجْه لِكَثْرَة مظالمه حَتَّى الشّرك، أَو لم يخلصه مُدَّة طَوِيلَة إِن كَانَ مُؤمنا، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : لم يفلته من أفلت رباعي أَي، لم يُؤَخِّرهُ. قلت: لَا يُسمى هَذَا رباعياً فِي الِاصْطِلَاح وَإِنَّمَا هُوَ ثلاثي مزِيد فِيهِ.
٦ - (بابُ قَوْلِهِ: {وأقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَي النَّهارِ وزُلَفاً مِنَ اللّيْل إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذالِكَ ذِكْرَي لِلذّاكِرِينَ} (هود: ١١٤)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وأقم الصَّلَاة} الْآيَة خطاب للرسول عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْمرَاد من طرفِي النَّهَار الْفجْر وَالْمغْرب، وَقيل: الظّهْر وَالْعصر، وَقيل: الْفجْر وَالظّهْر، وانتصابهما على الظَّرْفِيَّة، وَالْمعْنَى: أتم ركوعها وسجودها، وخصص الصَّلَاة بِالذكر لِأَنَّهَا تالية الْإِيمَان وإليها يفزع من النوائب، وَسبب نزُول الْآيَة مَا فِي حَدِيث الْبَاب على مَا يَأْتِي عَن قريب. قَوْله: (وَزلفًا من اللَّيْل) ، عطف على الصَّلَاة، أَي: أقِم زلفاً من اللَّيْل، أَي: سَاعَات من اللَّيْل وَهِي السَّاعَات الْقَرِيبَة من آخر النَّهَار، من أزلفه إِذا قربه، وأزلف إِلَيْهِ، وَصَلَاة الزلف الْمغرب. وَالْعشَاء، قَالَه مَالك، وقرىء: زلفاً، بِضَمَّتَيْنِ، وَزلفًا، بِسُكُون اللَّام، وزلفى، بِوَزْن: قربى. قَوْله: (إِن الْحَسَنَات) الصَّلَوَات الْخمس. وَقيل: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر، وَقَالَ عَطاء: هن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات، وَالْمرَاد بالسيئات: الصَّغَائِر من الذُّنُوب. قَوْله: (ذَلِك) أَي: إِن الْمَذْكُور من الصَّلَوَات، وَقيل: الْقُرْآن، وَقيل: جَمِيع الْمَذْكُور من الاسْتقَامَة وَالنَّهْي عَن الطغيان وَترك الْميل إِلَى الظَّالِمين، وَالْقِيَام بالصلوات وَمعنى الذكرى التَّوْبَة، وَقيل: العظة وخصصها بالذاكرين لأَنهم هم المنتفعون.
وزُلَفاً ساعاتٍ بَعْدَ ساعاتٍ ومِنْهُ سُمِّيَتِ المُزْدَلِفَةُ الزُّلَفُ مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ وأمَّا زُلْفَى فَمَصْدَرٌ مِنَ القُرْبَى ازْدَلَفُوا اجْتَمَعُوا أزْلَفْنا جَمَعْنا
فسر قَوْله: (وَزلفًا من اللَّيْل) بقوله: (سَاعَات بعد سَاعَات) وَهُوَ جمع زلفة كظلم جمع ظلمَة. قَوْله: (وَمِنْه سميت الْمزْدَلِفَة) أَي: من معنى الزلف سميت الْمزْدَلِفَة لمجيء النَّاس إِلَيْهَا فِي سَاعَات من اللَّيْل، وَقيل: لازدلافهم إِلَيْهَا أَي: لاقترابهم إِلَى الله وَحُصُول الْمنزلَة لَهُم عِنْده فِيهَا، وَقيل: لِاجْتِمَاع النَّاس بهَا، وَقيل: لِأَنَّهَا منَازِل. قَوْله: (الزلف منزلَة بعد منزلَة) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الزلف يَأْتِي بِمَعْنى الْمنَازل، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: زلف اللَّيْل سَاعَات، واحدتها زلفة أَي: سَاعَة ومنزلة وقربة. قَوْله: (وَأما زلفى فمصدر) بِمَعْنى: الزلفة، مثل: الْقُرْبَى فَإِنَّهُ مصدر بِمَعْنى الْقرْبَة، قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} (ص: ٢٥ و ٤٠) وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الزلفة والزلفى الْقرْبَة، والمنزلة. قَوْله: ازدلفوا (اجْتَمعُوا) شَاربه إِلَى أَن الازدلاف يَأْتِي بِمَعْنى الِاجْتِمَاع، وَيَأْتِي أَيْضا بِمَعْنى التَّقَدُّم، يُقَال: قوم ازدلفوا إِلَى الْحَرْب، أَي: تقدمُوا إِلَيْهَا. قَوْله: (ازلفنا) ، جَمعنَا، يَعْنِي: معنى أزلفنا جَمعنَا، قَالَ الله تَعَالَى: {وأزلفنا ثمَّ الآخرين} (الشُّعَرَاء: ٦٤) أَي: جَمعنَا.
٤٦٨٧ - ح دَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَزِيدُ هُوَ ابنُ زُرَيْعٍ حَدثنَا سُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ عنْ أبي عُثْمانَ عَن ابنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رجُلاً أصابَ مِنَ امْرَأةٍ قُبْلَةً فأتَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكَرَ ذالِكَ لهُ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {وأقِمِ الصّلَاةَ طَرَقَي النّهارِ وزُلَفاً مِنَ اللّيْلِ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذالِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} قَالَ الرَّجُلُ ألِيَ هاذِهِ قَالَ لِمَنْ عَمِلَ بِها مِنْ أُمّتي. (انْظُر الحَدِيث ٥٢٦) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، بالنُّون وبالدال الْمُهْملَة. والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي الْمَوَاقِيت فِي: بَاب الصَّلَاة كَفَّارَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن يزِيد بن زُرَيْع إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أَن رجلا) اسه كَعْب بن عَمْرو ويكنى بِأبي الْيُسْر، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة. والْحَدِيث أخرجه ابْن أبي خَيْثَمَة، لَكِن قَالَ: إِن رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ معتب، وَقيل: اسْمه بنهان التمار، وَقيل: عَمْرو بن غزيَّة، وَقيل: عَامر بن قيس
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute