وَابْن حبيب، وَعَن مَالك إِنَّمَا لَهُ الْخِيَار إِذا علم. وَهُوَ عيب من الْعُيُوب كَمَا فِي الْمُصراة وَعَن ابْن حبيب: لَا خِيَار إِذا لم يكن للْبَائِع مواطأة. وَقَالَ أهل الظَّاهِر: البيع بَاطِل مَرْدُود على بَائِعه إِذا ثَبت ذَلِك عَلَيْهِ.
الثَّالِث: البيع على بيع أَخِيه، وَقد بَينا صورته فِي أول الْبَاب، وَهَذَا مَحَله عِنْد التراكن والاقتراب. فَأَما البيع وَالشِّرَاء فِيمَن يزِيد فَلَا بَأْس فِيهِ فِي الزِّيَادَة على زِيَادَة أَخِيه، وَذَلِكَ لما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس: (أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَاعَ حلسا وَقَدحًا، وَقَالَ: من يَشْتَرِي هَذَا الحلس والقدح؟ فَقَالَ رجل: أخذتهما بدرهم، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من يزِيد على دِرْهَم؟ فَأعْطَاهُ رجل دِرْهَمَيْنِ، فباعهما مِنْهُ) . وَأخرجه بَقِيَّة الْأَرْبَعَة، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَجُمْهُور أهل الْعلم، وَكره بعض أهل الْعلم الزِّيَادَة على زِيَادَة أَخِيه، وَلم يرَوا صِحَة هَذَا الحَدِيث، وَضَعفه الْأَزْدِيّ بالأخضر بن عجلَان فِي سَنَده، وَحجَّة الْجُمْهُور على تَقْدِير عدم الثُّبُوت أَنه لَو ساوم وَأَرَادَ شِرَاء سلْعَته وَأعْطى فِيهَا ثمنا لم يرض بِهِ صَاحب السّلْعَة وَلم يركن إِلَيْهِ ليَبِيعهُ فَإِنَّهُ يجوز لغيره طلب شِرَائهَا قطعا، وَلَا يَقُول أحد إِنَّه يحرم السّوم بعد ذَلِك قطعا، كالخطبة على خطْبَة أَخِيه إِذا رد الْخَاطِب الأول، لِأَنَّهُ لَا فرق بَين الْمَوْضِعَيْنِ، وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن بعض أهل الْعلم جَوَاز ذَلِك، يَعْنِي: بيع من يزِيد فِي الْغَنَائِم والمواريث، قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الْبَاب وَاحِد وَالْمعْنَى مُشْتَرك لَا تخْتَص بِهِ غنيمَة وَلَا مِيرَاث. قلت: روى الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أبي جَعْفَر عَن زيد بن أسلم عَن ابْن عمر، قَالَ: (نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن بيع المزايدة، وَلَا يبع أحدكُم على بيع أَخِيه إلَاّ الْغَنَائِم والمواريث) . ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيقين آخَرين: أَحدهمَا عَن الْوَاقِدِيّ بِمثلِهِ، وَقَالَ شَيخنَا، رَحمَه الله: وَالظَّاهِر أَن الحَدِيث خرج على الْغَالِب وعَلى مَا كَانُوا يعتادون فِيهِ مزايدة وَهِي غَنَائِم والمواريث فَإِنَّهُ وَقع البيع فِي غَيرهمَا مزايدة، فَالْمَعْنى وَاحِد، كَمَا قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ.
الرَّابِع: لَا يخْطب على خطْبَة أَخِيه، هَذَا إِنَّمَا يحرم إِذا حصل التَّرَاضِي صَرِيحًا، فَإِن لم يُصَرح وَلَكِن جرى مَا يدل على التَّرَاضِي: كالمشاورة وَالسُّكُوت عِنْد الْخطْبَة، فَالْأَصَحّ أَن لَا تَحْرِيم. وَقَالَ بعض الْمَالِكِيَّة: لَا يحرم حَتَّى يرْضوا بِالزَّوْجِ وَيُسمى الْمهْر، وَاسْتدلَّ بفاطمة بنت قيس: خطبني أَبُو جهم وَمُعَاوِيَة، فَلم يُنكر الشَّارِع ذَلِك، بل خطبهَا لأسامة. وَقد يُقَال: لَعَلَّ الثَّانِي لم يعلم بِخطْبَة الأول، وَأما الشَّارِع فَأَشَارَ لأسامة لِأَنَّهُ خطب وَلم يعلم أَنَّهَا رضيت بِوَاحِد مِنْهُمَا، وَلَو أخْبرته لم يشر عَلَيْهَا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف أَصْحَابنَا فِي التراكن، فَقيل: هُوَ مُجَرّد الرضى بِالزَّوْجِ والميل إِلَيْهِ، وَقيل: تَسْمِيَة الصَدَاق. وَزعم الطَّبَرِيّ أَن النَّهْي فِيهَا مَنْسُوخ بخطبته، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَاطِمَة بنت قيس لأسامة.
الْخَامِس: لَا تسْأَل الْمَرْأَة ... إِلَى آخِره، وَقد ذَكرْنَاهُ.
٩٥ - (بابُ بَيْعِ المُزَايَدَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع المزايدة، وَهِي على وزن مفاعلة، تَقْتَضِي التشارك فِي أصل الْفِعْل بَين اثْنَيْنِ، وَلم يُصَرح بالحكم اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبَاب.
وَقَالَ عَطَاءٌ أدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ بَأْسا فِيمَنْ يَزِيدُ بِبَيْعِ المَغَانِمَ
هَذَا يُوضح مَا فِي التَّرْجَمَة من الْإِبْهَام، وَهُوَ وَجه مُطَابقَة الْأَثر بالترجمة أَيْضا، وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق أَبُو بكر ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَمَّن سمع مُجَاهدًا وَعَطَاء قَالَا: لَا بَأْس بِبيع من يزِيد، وَهَذَا أَعم من تَقْيِيد البُخَارِيّ بِبيع الْمَغَانِم، وَقد ذكرنَا فِي الْبَاب السَّابِق مَا فِيهِ الْكِفَايَة.
١٤١٢ - حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا الحُسَيْنُ المَكْتِبُ عنْ عَطَاءِ بنِ أبِي رباحٍ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رجُلاً أعْتَقَ غلَاما لَهُ عنْ دُبُرٍ فاحْتاجَ فأخذَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فاشْتَراهُ نُعَيْمُ بنُ عَبْدِ الله بِكذَا وكَذَا فدَفَعَهُ إلَيْهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (من يَشْتَرِيهِ مني؟) فعرضه للزِّيَادَة ليستقصي فِيهِ للْمُفلس الَّذِي بَاعه عَلَيْهِ، وَبِهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute