(أول الْوَقْت رضوَان اوآخره عَفْو ا) ، وَهُوَ لَا يُؤثر على رضوَان اشيئاً، وَالْعَفو لَا يكون عَن تَقْصِير. قلت: المُرَاد من الْعَفو الْفضل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} (الْبَقَرَة: ٩١٢) أَي: الْفضل، فَكَانَ معنى الحَدِيث، وَا أعلم، أَن من أدّى الصَّلَاة فِي أول الْوَقْت، فقد نَالَ رضوَان ا، وَأمن من سخطه وعذابه لامتثال أمره، وأدائه مَا وَجب عَلَيْهِ، وَمن أدّى فِي آخر الْوَقْت فقد نَالَ فضل ا، ونيل فضل الا يكون بِدُونِ الرضْوَان، فَكَانَت هَذِه الدرجَة أفضل من تِلْكَ. فَإِن قلت: جَاءَ فِي الحَدِيث: (وَسُئِلَ: أَي الْأَعْمَال أفضل؟ فَقَالَ: الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا) . وَهُوَ لَا يدع مَوضِع الْفضل وَلَا يَأْمر النَّاس إلَاّ بِهِ.
قلت: ذكر الأول للحث والتحضيض والتأكيد على إِقَامَة الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا، وإلَاّ فَالَّذِي يُؤَدِّي فِي ثَانِي الْوَقْت أَو فِي ثَالِثَة أَو رَابِعَة كَالَّذي يُؤَدِّيهَا فِي أَوله لَا أَن الْجُزْء الأول لَهُ مزية على الْجُزْء الثَّانِي أَو الثَّالِث أَو الرَّابِع، فحاصل الْمَعْنى: الصَّلَاة فِي وَقتهَا أفضل الْأَعْمَال، ثمَّ يتَمَيَّز الْجُزْء الثَّانِي فِي صَلَاة الصُّبْح عَن الْجُزْء الأول بِالْأَمر الَّذِي فِيهِ الْإِسْفَار الَّذِي يَقْتَضِي التَّأْخِير عَن الْجُزْء الأول. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي فِي حَدِيث رَافع: لَهُ وَجه لَا يُوَافق حَدِيث عَائِشَة وَلَا يُخَالِفهُ، وَذَلِكَ أَن رَسُول الله لما حض النَّاس على تَقْدِيم الصَّلَاة، وَأخْبر بِالْفَضْلِ فِيهِ، احْتمل أَن يكون من الراغبين من يقدمهَا قبل الْفجْر الآخر، فَقَالَ: أسفروا بِالْفَجْرِ حَتَّى يتَبَيَّن الْفجْر الآخر، مُعْتَرضًا، فَأَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِيمَا يرى الْخُرُوج من الشَّك حَتَّى يُصَلِّي الْمُصَلِّي بعد تبين الْفجْر، فَأَمرهمْ بالإسفار أَي: بالتبيين. قلت: يرد هَذَا التَّأْوِيل ويبطله مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن رَافع، قَالَ: قَالَ رَسُول الله لِبلَال: (يَا بِلَال نوِّر صَلَاة الصُّبْح حَتَّى تبصر الْقَوْم مَوَاضِع نبلهم من الْإِسْفَار) . وَقد مر هَذَا عَن قريب. فَإِن قلت: قَالَ ابْن حَازِم فِي كتاب (النَّاسِخ والمنسوخ) : قد اخْتلف أهل الْعلم فِي الْإِسْفَار بِصَلَاة الصُّبْح والتغليس بهَا، فَرَأى بَعضهم الْإِسْفَار هُوَ الْأَفْضَل، وَذهب إِلَى قَوْله: (أَصْبحُوا بالصبح) ، وَرَوَاهُ محكماً، وَزعم الطَّحَاوِيّ أَن حَدِيث الْإِسْفَار نَاسخ لحَدِيث التغليس، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يدْخلُونَ مغلسين وَيخرجُونَ مسفرين، وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا ذهب إِلَيْهِ، لِأَن حَدِيث التغليس ثَابت، وَأَن النَّبِي داوم عَلَيْهِ حَتَّى فَارق الدُّنْيَا.
قلت: يرد هَذَا مَا روينَاهُ من حَدِيث ابْن مَسْعُود الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَذكرنَا أَن فِيهِ دَلِيلا على أَنه، كَانَ يسفر بِالْفَجْرِ دَائِما، وَالْأَمر مثل مَا ذكره الطَّحَاوِيّ وَلَيْسَ مثل مَا ذكره ابْن حَازِم، بَيَان ذَلِك أَن اتِّفَاق الصَّحَابَة رَضِي اتعالى عَنْهُم، بعد النَّبِي، على الْإِسْفَار بالصبح، على مَا ذكره الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ: (مَا اجْتمع أَصْحَاب مُحَمَّد على شَيْء مَا اجْتَمعُوا على التَّنْوِير) دَلِيل وَاضح على نسخ حَدِيث التغليس، لِأَن إِبْرَاهِيم أخبر أَنهم كَانُوا اجْتَمعُوا على ذَلِك، فَلَا يجوز عندنَا، وَا أعلم، اجْتِمَاعهم على خلاف مَا قد فعله النَّبِي، إلَاّ بعد نسخ ذَلِك وَثُبُوت خِلَافه، وَالْعجب من بعض شرَّاح البُخَارِيّ أَنه يَقُول: وَوهم الطَّحَاوِيّ حَيْثُ ادّعى أَن حَدِيث: (أسفروا. .) نَاسخ لحَدِيث التغليس، وَلَيْسَ الواهم إلَاّ هُوَ، وَلَو كَانَ عِنْده إِدْرَاك مدارك الْمعَانِي لما اجترأ على مثل هَذَا الْكَلَام.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على خُرُوج النِّسَاء، وَهُوَ جَائِز بِشَرْط أَمن الْفِتْنَة عَلَيْهِنَّ أَو بِهن، وَكَرِهَهُ بَعضهم للشواب، وَعند أبي حنيفَة تخرج الْعَجَائِز لغير الظّهْر وَالْعصر، وَعِنْدَهُمَا: يخْرجن للْجَمِيع، وَالْيَوْم يكره للْجَمِيع، للعجائز والشواب، لظُهُور الْفساد وَعُمُوم الْفِتْنَة. وَا أعلم.
٤١ - (بابٌ إذَا صَلَّى فِي ثَوْب لهُ أعْلَامٌ وَنَظَر إِلَى عَلَمِها)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا صلى شخص وَهُوَ لابس ثوبا وَله أَعْلَام، وَنظر إِلَى أَعْلَامه، هَل يكره ذَلِك أم لَا؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَنظر إِلَى علمه، وَفِي بَعْضهَا: إِلَى علمهَا، والتأنيث فِيهِ بِاعْتِبَار الخميصة، وَنَقله بَعضهم عَنهُ بِالْعَكْسِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْكرْمَانِي فِي رِوَايَة: وَنظر إِلَى علمه، والأعلام جمع علم، بِفَتْح اللَّام.
٣٧٣٩٣ - ح دّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قالَ حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ قالَ حدّثنا ابنُ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ النبيَّ صلَّى فِي خمِيصةٍ لَها أعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أعْلَامِها نَظْرَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute