٤ - (بابُ الاقْتِدَاءِ بأفْعالِ النبيِّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاقْتِدَاء بِأَفْعَال النَّبِي وَلم يُوضح مَا حكم الِاقْتِدَاء بأفعاله، لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ، فَقَالَ قوم: يجب اتِّبَاعه فِي فعله كَمَا يجب فِي قَوْله حَتَّى يقوم دَلِيل على النّدب أَو الخصوصية، كَذَا قَالَه الدَّاودِيّ، وَبِه قَالَ ابْن شُرَيْح وَأَبُو سعيد الاصطخري وَابْن خيران، وَقَالَ آخَرُونَ: يحْتَمل الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة فَيحْتَاج إِلَى الْقَرِينَة، وَبِه قَالَ أَبُو بكر بن أبي الطّيب، وَقَالَ آخَرُونَ: للنَّدْب إِذا ظهر وَجه الْقرْبَة، وَقيل: وَلَو لم يظْهر. وَقَالَ آخَرُونَ: مَا فعله إِن كَانَ بَيَانا لمجمل فَحكمه حكم ذَلِك الْمُجْمل وجوبا أَو ندبا أَو إِبَاحَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِنَّه يدل على النّدب، وَقَالَ مَالك: يدل على الْإِبَاحَة.
٧٢٩٨ - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حَدثنَا سُفْيانُ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ، عنِ ابنِ عُمَر، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: اتّخَذَ النبيُّ خاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فاتّخَذَ النَّاسُ خَواتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النبيُّ إنِّي اتَّخَذَتُ خاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ وَقَالَ: إنِّي لَنْ ألْبَسَهُ أبَداً فَنَبَذَ النَّاسُ خَواتِيمَهُمْ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّاس اقتدوا بِفِعْلِهِ، حَيْثُ نبذوا خواتيمهم الَّتِي صنعوها من ذهب لما نبذ النَّبِي، خَاتمه.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ كَمَا نَص عَلَيْهِ الْحَافِظ الْمزي.
والْحَدِيث مضى من وَجه آخر فِي كتاب اللبَاس فِي: بَاب خَوَاتِيم الذَّهَب.
قَوْله: خَوَاتِيم يَعْنِي: اتخذ كل وَاحِد خَاتمًا لِأَن مُقَابلَة الْجمع بِالْجمعِ مفيدة للتوزيع. قَوْله: اتَّخذت ويروى: أخذت.
٥ - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ والتَّنازُعِ فِي العِلْمِ والعُلُوِّ فِي الدِّينِ والبِدَعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من التعمق وَهُوَ التشدد فِي الْأَمر حَتَّى يتَجَاوَز الْحَد فِيهِ. قَوْله: والتنازع فِي الْعلم، أَي: التجادل فِيهِ يَعْنِي عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الحكم إِذا لم يَتَّضِح الدَّلِيل فِيهِ. قَوْله: والغلو، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَتَشْديد الْوَاو وَهُوَ التجاوز فِي الْحَد، قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: الغلو فَوق التعمق وَهُوَ من غلا فِي الشَّيْء يغلو غلواً، وغلا فِي السّعر يغلو غلاءً، وَورد النَّهْي عَنهُ صَرِيحًا فِيمَا أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله فَذكر حَدِيثا وَفِيه: وَإِيَّاكُم والغلو فِي الدّين فَإِنَّمَا أهلك من قبلكُمْ الغلو فِي الدّين، وَهُوَ مثل الْبَحْث فِي الربوبية حَتَّى يحصل نزغة من نزغات الشَّيْطَان فَيُؤَدِّي إِلَى الْخُرُوج عَن الْحق، وَالَّذين غلوا فِي الفكرة آل بهم الْأَمر إِلَى أَن جعلُوا آلِهَة ثَلَاثَة، تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا، قَوْله: والبدع جمع بِدعَة وَهِي مَا لم يكن لَهُ أصل فِي الْكتاب وَالسّنة، وَقيل: إِظْهَار شَيْء لم يكن فِي عهد رَسُول الله وَلَا فِي زمن الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
لِقَوْلِهِ تَعَالى: {ياأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلَاّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَئَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَاثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَاهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ وَمَا فِى السَّمَاوَات وَمَا فِى الَاْرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}
احْتج بِهَذِهِ الْآيَة على تَحْرِيم الغلو فِي الدّين، وَأهل الْكتاب: الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَإِذا قُلْنَا: إِن لفظ أهل الْكتاب للتعميم يتَنَاوَل غير الْيَهُود وَالنَّصَارَى بالإلحاق.
٧٢٩٩ - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامٌ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهرِيِّ عَن أبي سَلَمَة، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تُوَاصِلُوا قالُوا: إنّكَ تُوَاصلُ. قَالَ: إنِّي لَسْتُ مِثْلكُمْ إنِّي أبِيتُ يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقِيني فَلَمْ يَنْتَهُوا عَن الوصالِ، قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِم النبيُّ يَوْمَيْنِ أوْ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ رأُوا الهَلَالَ فَقَالَ النبيُّ لَوْ تَأخَّرَ الهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ كالمُنَكِّلِ لَهُمْ
ا
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة هُنَا أصلا، ورد بِأَن عَادَته جرت بإيراد مَا لَا يُطَابق التَّرْجَمَة ظَاهرا لَكِن يُنَاسِبهَا طَرِيق