مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو يحيى يُقَال لَهُ صَاعِقَة، وسريج بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالجيم مصغر سرج ابْن يُونُس أَبُو الْحَارِث الْبَغْدَادِيّ، مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. والْحَدِيث قد مر الْآن.
٤ - (بابُ الدَّواءِ بالعَسَلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدَّوَاء بالعسل، وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث، وأسماؤه تزيد على الْمِائَة، وَله مَنَافِع كَثِيرَة. يجلي الأوساخ الَّتِي فِي الْعُرُوق والأمعاء، وَيدْفَع الفضلات، وَيغسل خمل الْمعدة ويسخنها تسخيناً معتدلاً، وَيفتح أَفْوَاه الْعُرُوق، ويشد الْمعدة والكبد والكلى والمثانة، وَفِيه تَحْلِيل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية،. وَفِيه حفظ للمعجونات وإذهاب لكيفية الْأَدْوِيَة المستكرهة، وتنقية للكبد والصدر وإدرار الْبَوْل والطمث، ونفع للسعال الْكَائِن من البلغم، ونفع لأَصْحَاب البلاغم والأمزجة الْبَارِدَة، وَإِذا أضيف إِلَيْهِ الْخلّ نفع أَصْحَاب الصَّفْرَاء، ثمَّ هُوَ غذَاء من الأغذية ودواء من الْأَدْوِيَة وشراب من الْأَشْرِبَة وحلوى من الحلاوات وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات، وَمن مَنَافِعه أَنه: إِذا شرب حاراً بدهن الْورْد نفع من نهش الْحَيَوَان، وَإِذا شرب بِمَاء نفع من عضة الْكَلْب الْكَلْب، وَإِذا جعل فِيهِ اللَّحْم الطري حفظ طراوته ثَلَاثَة أشهر، وَكَذَا الْخِيَار والقرع والباذنجان والليمون وَنَحْو ذَلِك من الْفَوَاكِه، وَإِذا لطخ بِهِ الْبدن للقمل قتل الْقمل والصيبان، وَطول الشّعْر وَحسنه ونعمه، وَإِن اكتحل بِهِ جلا ظلمَة الْبَصَر، وَإِن اسْتنَّ بِهِ صقل الْأَسْنَان وَحفظ صِحَّتهَا، وَهُوَ عَجِيب فِي حفظ جثة الْمَوْتَى فَلَا يسْرع إِلَيْهَا الْبلَاء وَهُوَ مَعَ ذَلِك مَأْمُون الغائلة قَلِيل الْمضرَّة، وَلم يكن معول قدماء الْأَطِبَّاء فِي الْأَدْوِيَة المركبة إلَاّ عَلَيْهِ، وَلَا ذكر للسكر فِي أَكثر كتبهمْ أصلا، وَهُوَ فِي أَكثر الْأَمْرَاض وَالْأَحْوَال أَنْفَع من السكر لِأَنَّهُ مليح ويجلو ويدر ويحلل وَيغسل، وَهَذِه الْأَفْعَال فِي السكر ضَعِيفَة، وَفِي السكر إرخاء الْمعدة وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْعَسَل، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب كل يَوْم قدح عسل ممزوجاً بِمَاء على الرِّيق، وَهِي حِكْمَة عَجِيبَة فِي حفظ الصِّحَّة، وَلَا يَعْقِلهَا إلَاّ الْعَالمُونَ، وَكَانَ بعد ذَلِك يتغدى بخبزالشعير مَعَ الْملح أَو الْخلّ وَنَحْوه، ويصابر شطف الْعَيْش وَلَا يضرّهُ لما سبق من شربه الْعَسَل.
وقَوْلِ الله تَعَالَى:{فِيهِ شِفَاء للنَّاس}(النَّحْل: ٦٩) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: الدَّوَاء بالعسل، إِنَّمَا ذكر قَوْله {فِيهِ شِفَاء للنَّاس}(النَّحْل: ٦٩) لينبه بِهِ على فَضِيلَة الْعَسَل على سَائِر مَا يشرب من المشروبات، وَكَيف وَقد أخبر الله بِأَنَّهُ شِفَاء؟ وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا خرجت بِهِ قرحَة أَو شَيْء لطخ الْموضع بالعسل، وَيقْرَأ {يخرج من بطونها شراب مُخْتَلف ألوانه فِيهِ شِفَاء للنَّاس}(النَّحْل: ٦٩) وَكَانَ يَقُول: عَلَيْكُم بِالشِّفَاءَيْنِ: الْقُرْآن وَالْعَسَل، وَقَالَ شَقِيق: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المبطون شَهِيد ودواء المبطون الْعَسَل، فَإِن قلت: الرجل الَّذِي جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أخي يشتكي بَطْنه! فَقَالَ: اسْقِهِ عسلاً، فَسَقَاهُ فَلم يفده، حَتَّى أَتَى الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة، فَكَذَلِك حَتَّى قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق الله وَكذب بطن أَخِيك ... الحَدِيث على مَا يَأْتِي فِي هَذَا الْبَاب. قلت: قد أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن غيب أطلعه الله عَلَيْهِ وأعلمه بِالْوَحْي أَن شفاءه بالعسل، فكرر عَلَيْهِ الْأَمر يسْقِي الْعَسَل ليظْهر مَا وعد بِهِ، وَأَيْضًا قد علم أَن ذَلِك النَّوْع من الْمَرَض يشفيه الْعَسَل. وَقَالَ النَّوَوِيّ: اعْترض بعض الْمَلَاحِدَة فَقَالَ: الْعَسَل مسهل فَكيف يشفي صَاحب الإسهال؟ وَهَذَا جهل من الْمُعْتَرض، وَهُوَ كَمَا قَالَ بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ، فَإِن الإسهال يحصل من أَنْوَاع كَثِيرَة، وَمِنْهَا الإسهال الْحَادِث من الهيضة، وَقد أجمع الْأَطِبَّاء على أَن علاجه بِأَن تتْرك الطبيعة وفعلها، وَإِن احْتَاجَت إِلَى معِين على الإسهال أعينت، فَيحْتَمل أَن يكون إسهاله من الهيضة، وَأمره بِشرب الْعَسَل معاونة إِلَى أَن فنيت الْمَادَّة فَوقف الإسهال، وَقد يكون ذَلِك من بَاب التَّبَرُّك، وَمن دُعَائِهِ وَحسن أَثَره وَلَا يكون ذَلِك حكما عَاما لكل النَّاس، وَقد يكون ذَلِك خارقاً للْعَادَة من جملَة المعجزات، وَقيل: الْمَعْنى: فِيهِ شِفَاء لبَعض النَّاس، وَأولُوا الْآيَة وَحَدِيث أبي سعيد الَّذِي يَأْتِي على الْخُصُوص، وَقَالُوا: الْحجامَة وَشرب الْعَسَل والكي إِنَّمَا هِيَ شِفَاء لبَعض الْأَمْرَاض دون بعض، أَلا ترى قَوْله: أَو لذعة بِنَار، توَافق الدَّاء؟ فَشرط صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موافقتها للداء، فَدلَّ هَذَا على أَنَّهَا إِذا لم توَافق الدَّاء فَلَا دَوَاء فِيهَا، وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن مَا لَفظه لفظ الْعُمُوم. وَالْمرَاد بِهِ الْخُصُوص، كَقَوْلِه