الْمَعْنى يسْمعهَا من لَهُ عقل كالملائكة وَالْجِنّ لِأَن الْمُتَكَلّم روح إِنَّمَا يسمع الرّوح من هُوَ مثله، ورد بِأَنَّهُ لَا مَانع من إنطاق الله تَعَالَى الْجَسَد بِغَيْر روح، وَهُوَ على كل شَيْء قدير.
٣٥ - (بابُ مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أوْ ثَلَاثَةً عَلَى الجَنَازَةِ خَلْفَ الإمَامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من صف النَّاس صفّين أَو ثَلَاثَة صُفُوف على الْجِنَازَة خلف الإِمَام، وَاعْترض على هَذِه التَّرْجَمَة من وَجْهَيْن: الأول: أَن فِي حَدِيث الْبَاب قَول جَابر: كنت فِي الصَّفّ الثَّانِي وَالثَّالِث، لَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون مُنْتَهى الصُّفُوف، وَالثَّانِي: لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على كَون الصُّفُوف خلف الإِمَام. وَأجِيب: عَن الأول: بِأَن فِي حَدِيث مُسلم عَن جَابر: فقمنا فصففنا صفّين، فَدلَّ هَذَا أَن قَوْله: وَالثَّالِث، شكّ هَل كَانَ هُنَاكَ صف ثَالِث أم لَا. وَعَن الثَّانِي: بِأَن البُخَارِيّ روى فِي هِجْرَة الْحَبَشَة عَن قَتَادَة بِهَذَا الْإِسْنَاد بِزِيَادَة: (فصفنا وَرَاءه) وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: فصفوا خَلفه، وَالْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ الْمخْرج وَاحِدًا وَالْأَصْل متحدا.
٧١٣١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ عنْ أبِي عَوَانَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ عَطَاءٍ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أوِ الثَّالِثِ..
وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث قد ذَكرْنَاهُ آنِفا، وَأَبُو عوَانَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا فِي هِجْرَة الْحَبَشَة عَن عبد الْأَعْلَى عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة بِهِ.
قَوْله: (النَّجَاشِيّ) ملك الْحَبَشَة بتَخْفِيف الْيَاء، قَالَ صَاحب (الْمغرب) : سَمَاعا من الثِّقَات، وَهُوَ اخْتِيَار الفارابي، وَعَن صَاحب (التكملة) بِالتَّشْدِيدِ وَعَن الْهَرَوِيّ كلتا اللغتين، وَأما تَشْدِيد الْجِيم فخطأ.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتِحْبَاب صف أَو صفّين وَرَاء الإِمَام فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت.
٤٥ - (بابُ الصُّفُوفِ عَلَى الجِنَازَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصُّفُوف فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة.
٨١٣١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عَن سَعِيدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ نَعى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى أصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ فَكَبَّر أرْبَعا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فصفوا خَلفه) ، لِأَنَّهُ يدل على الصُّفُوف، إِذْ الْغَالِب أَن الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، مَعَ كَثْرَة الْمُلَازمَة للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسعون صفا أَو صفّين. فَإِن قلت: الحَدِيث لَا يدل على الْجِنَازَة؟ قلت: المُرَاد من الْجِنَازَة الْمَيِّت، سَوَاء كَانَ مَدْفُونا أَو غير مدفون. فَإِن قلت: أَحَادِيث الْبَاب لَيْسَ فِيهَا صَلَاة على جَنَازَة، وَإِنَّمَا فِيهَا الصَّلَاة على الْغَائِب أَو على من فِي الْقَبْر. قلت: الاصطفاف إِذا شرع والجنازة غَائِبَة فَفِي الْحَاضِرَة أولى.
وَيزِيد من الزِّيَادَة وزريع، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَمعمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد، وَالزهْرِيّ: مُحَمَّد بن مُسلم، وَسَعِيد ابْن الْمسيب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رَافع، وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَقَالَ ابْن بطال: أَوْمَأ المُصَنّف إِلَى الرَّد على عَطاء حَيْثُ ذهب إِلَى أَنه لَا يشرع فِيهَا تَسْوِيَة الصُّفُوف، كَمَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج، قَالَ: قلت لعطاء: أَحَق على الناى أَن يسووا صفوفهم على الْجَنَائِز كَمَا يسوونها فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا يكبِّرون وَيَسْتَغْفِرُونَ. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: يَنْبَغِي لأهل الْمَيِّت إِذا لم يخشوا عَلَيْهِ التَّغَيُّر أَن ينتظروا بِهِ اجْتِمَاع قوم حَتَّى يقوم مِنْهُم ثَلَاثَة صُفُوف لهَذَا الحَدِيث. قلت: لأجل ذَلِك ذكر البُخَارِيّ: بَاب الصُّفُوف، بِصِيغَة الْجمع، وَجعل الصُّفُوف ثَلَاثًا مُسْتَحبّ لما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من حَدِيث مَالك بن هُبَيْرَة مَرْفُوعا: (من صلى عَلَيْهِ ثَلَاث صُفُوف