مَا ذَكرْنَاهُ مَا جَاءَ فِي كتاب الدِّيات فِي هَذَا الحَدِيث. قلت: وَأي شَيْء أَشد مِمَّا صنع هَؤُلَاءِ؟ ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام وَقتلُوا وسرقوا؟ ! وَفِي رِوَايَة بِالْقَافِ بدل الطَّاء، وَمَعْنَاهُ: مَا يتْرك من هَؤُلَاءِ، وَهُوَ اسْتِفْهَام أَيْضا فِيهِ معنى التَّعَجُّب، وَأَصله من استبقيت الشَّيْء أَي: تركت بعضه. قَوْله: (فَقَالَ: سُبْحَانَ الله) الْقَائِل عَنْبَسَة مُتَعَجِّبا من قَول أبي قلَابَة. قَوْله: (فَقلت تتهمني) ؟ الْقَائِل أَبُو قلَابَة يَقُول لعنبسة تتهمني فِيمَا رويته من حَدِيث أنس؟ ويوضح هَذَا مَا جَاءَ فِي كتاب الدِّيات فِيهِ، فَقَالَ عَنْبَسَة بن سعيد يَعْنِي: عِنْد رِوَايَة أبي قلَابَة الحَدِيث، وَالله إِن سَمِعت كَالْيَوْمِ قطّ؟ فَقلت: أترد على حَدِيثي يَا عَنْبَسَة؟ قَالَ لَا وَلَكِن جِئْت بِالْحَدِيثِ على وَجهه. قَوْله: (قَالَ: حَدثنَا بِهَذَا أنس) أَي: قَالَ أَبُو قلَابَة، حَدثنَا بِهَذَا الحَدِيث أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (قَالَ: وَقَالَ يَا أهل كَذَا) أَي: قَالَ الرَّاوِي وَقَالَ عَنْبَسَة يَا أهل كَذَا مُرَاده يَا أهل الشَّام وَقَالَ بَعضهم وَفِي الرِّوَايَة الْآتِيَة فِي الدِّيات يَا أهل الشَّام قلت هَذَا لَيْسَ بمذكور فِي كتاب الدِّيات، وَلَكِن المُرَاد بخطاب عَنْبَسَة بقوله: (يَا أهل كَذَا) هُوَ أهل الشَّام لِأَن هَذَا كُله وَقع فِي دمشق. قَوْله: (مَا أبقى هَذَا فِيكُم) بِضَم الْهمزَة وَكسر الْقَاف على صِيغَة الْمَجْهُول، وَأَشَارَ عَنْبَسَة بقوله هَذَا إِلَى أبي قلَابَة، وَفِي رِوَايَة كتاب الدِّيات: وَالله لَا يزَال هَذَا الْجند بِخَير مَا عَاشَ هَذَا الشَّيْخ بَين أظهرهم، ويروى: مَا أبقى الله مثل هَذَا. قَوْله: (أَو مثل هَذَا) ، شكّ من الرَّاوِي، أَي: أَو قَالَ عَنْبَسَة مثل مَا ذكر من قَوْله: (مَا أبقى هَذَا فِيكُم) ؟ وَمثله مَا ذكر فِي الدِّيات فَافْهَم فَإِنِّي مَا رَأَيْت شارحا أَتَى بِحَق شرح هَذَا الحَدِيث.
٦ - (بابُ قَوْلِهِ: {وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ} (الْمَائِدَة: ٤٥)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {والجروح قصاص} هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: بَاب والجروح قصاص، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب وَهَذَا اللَّفْظ فِي قَوْله: (وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح قصاص) ، هَذَا تَعْمِيم بعد التَّخْصِيص لِأَنَّهُ ذكر الْعين بِالْعينِ وَنَحْوهَا، وَالْقصاص فِي الْجرْح إِنَّمَا يثبت فِيمَا يُمكن أَن يقْتَصّ فِيهِ مثل الشفتين وَالذكر وَالْيَدَيْنِ وَمَا أشبه ذَلِك، وَمَا عدا ذَلِك من كسر عظم أَو جِرَاحَة فِي الْبَطن فَفِيهِ أرش، وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ بِرَفْع الْحَاء، وَالْبَاقُونَ: ينصبها، وَالْقصاص من: قصّ الْأَثر أَي: اتبعهُ فَكَانَ المحني عَلَيْهِ يقص أَثَره وَيتبع ليقْتل.
٤٦١١ - ح دَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخْبَرَنا الفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ الله عنهُ قَالَ كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ وَهِيَ عَمَّةُ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ ثَنِيَّةَ جَارِيَةَ مِنَ الأَنْصَارِ فَطَلَبَ القَوْمُ القِصاصَ فأتَوُا النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالقِصاصِ فَقَالَ أنَسُ بنُ النَّضْرِ عَمُّ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ لَا وَالله لَا تَكْسَرْ سِنها يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أنَسُ كتابُ الله القِصاصُ فَرَضِيَ القَوْمُ وَقَبُلُوا الأرْشَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ مِنْ عِبادِ الله مَنْ لَوْ أقْسَمَ عَلَى الله لأبَرَّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والفزاري، بِفَتْح الْفَاء وَالزَّاي المخففة وبالراء، واسْمه: مَرْوَان بن مُعَاوِيَة والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصُّلْح فِي: بَاب الصُّلْح فِي الدِّيَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن حميد عَن أنس، وَأخرجه هُنَا عَن الْفَزارِيّ مُعَلّقا وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (الرّبيع) ، بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَكْسُورَة، وَالْجَارِيَة الشَّابَّة، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة. قَوْله: (وقبلوا الْأَرْش) قَالَ ابْن الْأَثِير: الْأَرْش الْمَشْرُوع فِي الحكومات وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذهُ المُشْتَرِي من البَائِع إِذا اطلع على عيب فِي الْمَبِيع، وَأرش الْجِنَايَات والجراحات من ذَلِك لِأَنَّهَا جابرة لَهَا عَمَّا حصل فِيهَا من النَّقْص. قَوْله: (لَا بره) من إبرار الْقسم وَهُوَ امضاؤه على الصدْق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute