ابْن أبي مليكَة أَنه تَحْسِين الصَّوْت، وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك وَالنضْر بن شُمَيْل، وَمِمَّنْ أجَاز الألحان فِي الْقِرَاءَة فِيمَا ذكره الطَّبَرِيّ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يَقُول لأبي مُوسَى، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ذكّرنا رَبنَا، فَيقْرَأ أَبُو مُوسَى ويتلاحن، وَقَالَ مرّة: من اسْتَطَاعَ أَن يُغني بِالْقُرْآنِ غناء أبي مُوسَى فَلْيفْعَل، وَكَانَ عقبَة بن عَامر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من أحسن النَّاس صَوتا بِالْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أعرض عَليّ سُورَة كَذَا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَبكى عمر، وَقَالَ: مَا كنت أَظن أَنَّهَا نزلت، وَاخْتَارَهُ ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود، وَرُوِيَ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، وَاحْتج بِحَدِيث عبيد بن عُمَيْر، وَكَانَ عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن يزِيد يتتبع الصَّوْت الْحسن فِي الْمَسَاجِد فِي شهر رَمَضَان، وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَصْحَابه أَنهم كَانُوا يَسْتَمِعُون الْقُرْآن بألحان، وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الحكم رَأَيْت أبي وَالشَّافِعِيّ ويوسف بن عَمْرو يسمعُونَ الْقُرْآن بألحان، وَاحْتج الطَّبَرِيّ لهَذَا القَوْل، وَأَن معنى الحَدِيث: تَحْسِين الصَّوْت، بِمَا رُوِيَ سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ:(مَا أذن الله لشَيْء وَمَا أذن لنَبِيّ حسن الترنم بِالْقُرْآنِ) ، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: ومعقول: إِن الترنم لَا يكون إلَاّ بالصوت إِذا حسنه وطرب بِهِ وَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام: تحمل الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِي حسن الصَّوْت على التحزن والتخويف والتشويق، وَرُوِيَ سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ: أَي النَّاس أحسن صَوتا بِالْقُرْآنِ؟ قَالَ:(الَّذِي إِذا سمعته رَأَيْته خشِي الله تَعَالَى وَعند الْآجُرِيّ من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي الزبير عَن جَابر يرفعهُ: أحسن النَّاس صَوتا بِالْقُرْآنِ الَّذِي إِذا سمعته يقْرَأ حسبته يخْشَى الله عز وَجل.
قَوْله: (وَقَالَ صَاحب لَهُ) أَي: لأبي سَلمَة، والصاحب هُوَ عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بَينه الزبيدِيّ عَن ابْن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث أخرجه ابْن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي الزهريات من طَرِيقه بِلَفْظ:(مَا أذن الله لشَيْء مَا أذن لنَبِيّ يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ) ، قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي سَلمَة يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يجْهر بِهِ، فَكَأَن هَذَا التَّفْسِير لم يسمعهُ ابْن شهَاب من أبي سَلمَة، وسَمعه من عبد الحميد عَنهُ فَكَانَ تَارَة يُسَمِّيه وَتارَة يبهمه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يجْهر بِهِ مَعْنَاهُ بتحسين صَوته وتحزينه وترقيقه، وَيسْتَحب ذَلِك مَا لم تخرجه الألحان عَن حد الْقِرَاءَة فَإِن أفرط حَتَّى زَاد حرفا أَو أخْفى حرفا فَهُوَ حرَام.
٤٢٠٥ - حدَّثنا علِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أبي سلَمَةَ بن عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَا أذنَ الله لشَيْء مَا أذِن لِلنبيِّ أنْ يَتَغَنَّى بالقُرْآنِ. قَالَ سُفْيانُ: تَفْسِيرُهُ يَسْتَغْنِي بِهِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور أخرجه عَن عَليّ بن أبي عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره. قَوْله:(قَالَ سُفْيَان) ، هُوَ ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي تَفْسِيره أَي تَفْسِير قَوْله:(يتَغَنَّى يسْتَغْنى بِهِ) وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
٤٢٠٥ - حدَّثنا علِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أبي سلَمَةَ بن عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَا أذنَ الله لشَيْء مَا أذِن لِلنبيِّ أنْ يَتَغَنَّى بالقُرْآنِ. قَالَ سُفْيانُ: تَفْسِيرُهُ يَسْتَغْنِي بِهِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور أخرجه عَن عَليّ بن أبي عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره. قَوْله:(قَالَ سُفْيَان) ، هُوَ ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي تَفْسِيره أَي تَفْسِير قَوْله:(يتَغَنَّى يسْتَغْنى بِهِ) وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
٠٢ - (بابُ اغْتِباطِ صاحِبِ القُرْآنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اغتباط صَاحب الْقُرْآن، والاغتباط من الْغِبْطَة وَهُوَ حسد خَاص، يُقَال: غبطت الرجل أغبطه غبطا إِذا اشْتهيت أَن يكون لَك مثل مَاله، وَأَن يَدُوم عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ، وحسدته أحسده حسدا إِذا اشْتهيت أَن يكون لَك مثله، وَأَن يَزُول عَنهُ مَا هُوَ فِيهِ، وَاعْتِرَاض على هَذِه التَّرْجَمَة بِأَن صَاحب الْقُرْآن لَا يغتبط نَفسه بل يغتبطه غَيره، وَأجَاب عَنهُ بَعضهم بِأَن الحَدِيث لما كَانَ دَالا على أَن غير صَاحب الْقُرْآن يغتبط صَاحب الْقُرْآن بِمَا أعْطِيه من الْعَمَل بِالْقُرْآنِ، فاغتباط صَاحب الْقُرْآن بِعَمَل نَفسه أولى. قلت: هَذَا لَيْسَ بِذَاكَ، وَكَيف يُوَجه هَذَا الْكَلَام وَقد علم أَن الْغِبْطَة اشتهاه مثل مَا أعْطى فلَان مثلا، وَكَيف يتَصَوَّر اغتباط من أعْطى مثل مَا أعْطى غَيره، وَالْأَحْسَن فِيهِ أَن يقدر فِي التَّرْجَمَة مَحْذُوف تَقْدِيره: بَاب باغتياط الرجل صَاحب الْقُرْآن، وَلَا يحْتَاج إِلَى تعسفات بعيدَة.