حَدِيث زر بن حُبَيْش عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَر بِمَكَّة فرأيته فرْقَتَيْن، فَهُوَ مَحْمُول على مَا ذَكرْنَاهُ، وَكَذَا كل مَا رُوِيَ نَحوه. قَوْله: (اشْهَدُوا) أَي: اضبطوا هَذَا الْقدر بِالْمُشَاهَدَةِ. قَوْله: (وَذَهَبت فرقة نَحْو الْجَبَل) أَي: ذهبت قِطْعَة فِي نَاحيَة جبل حراء وَبقيت نَاحيَة فِي مَكَانَهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْمَشْهُور أَنَّهُمَا التأما فِي الْحَال لَا بعد الْغُرُوب، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: مَا التلفيق بَينه وَبَين مَا قَالَ: رَأَوْا حراء بَينهمَا؟ قلت: إِذا نزلت قِطْعَة تَحت حراء، وَبقيت قِطْعَة مِنْهُ فَهُوَ بَينهمَا، وَكَذَا إِذا ذهبت الْفرْقَة عَن يَمِين حراء أَو شِمَاله أَو الانشقاق كَانَ مرَّتَيْنِ.
وَقَالَ أبُو الضُّحَى عنْ مَسْرُوق عنْ عَبْدِ الله انْشَقَّ بِمَكَّةَ
أَبُو الضُّحَى مُسلم بن صبيح، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: الْكُوفِي، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَظَاهر هَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن أبي عوَانَة، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا مَعْطُوفًا على قَوْله: عَن إِبْرَاهِيم، فَإِن أَبَا الضُّحَى من شُيُوخ الْأَعْمَش فَيكون للأعمش فِيهِ إسنادان. قلت: الإحتمال الناشيء عَن غير دَلِيل لَا يعْتَبر بِهِ.
وتابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ عنْ مُجَاهِدٍ عنْ أبِي مَعْمَرٍ عنْ عَبْدِ الله
أَي: تَابع إِبْرَاهِيم فِي رِوَايَته عَن أبي معمر مُحَمَّد بنُ مُسلم الطَّائِفِي عَن عبد الله بن أبي نجيح، واسْمه يسَار ضد الْيَمين ومتابعته إِيَّاه فِي قَوْله: إِن ذَلِك كَانَ بِمَكَّة، لَا فِي جَمِيع سِيَاق الحَدِيث، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه فِي (دَلَائِل النُّبُوَّة) : عَن ابْن عُيَيْنَة، وَمُحَمّد بن مُسلم جَمِيعًا عَن ابْن أبي نجيح بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلَفظه: رَأَيْت الْقَمَر منشقاً شقتين، شقة على أبي قبيس وشقة على السويد، وَهِي نَاحيَة خَارج مَكَّة عِنْدهَا حَبل. فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض حَدِيث أنس الْمَذْكُور. قلت: يحمل على التَّعَدُّد، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كَانَ الانشقاق مرَّتَيْنِ، وَقيل: التَّعْبِير بِأبي قبيس من تَعْبِير بعض الروَاة.
٣٨٧٠ - حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ حدَّثنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ قَالَ حدَّثني جَعْفَرُ بنُ رَبِيعَةَ عنْ عِرَاكِ بنِ مالِكٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ القَمَرَ انْشَقَّ علَى زَمانِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (انْظُر الحَدِيث ٣٦٣٨ وطرفه) .
الحَدِيث مضى فِي: بَاب سُؤال الْمُشْركين أَن يُرِيهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن خلف بن خَالِد الْقرشِي حَدثنَا بكر بن مُضر. . الخ. وَأخرجه هُنَا عَن عُثْمَان بن صَالح السَّهْمِي الْمصْرِيّ عَن بكر بن مُضر، بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالراء. وَهَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل الصَّحَابَة لِأَن ابْن عَبَّاس كَانَ حِينَئِذٍ طفْلا ابْن سنتَيْن أَو ثَلَاث.
٣٨٧١ - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا أبي حدَّثنا الأعْمَشُ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ عنْ أبِي مَعْمَرٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ انْشَقَّ القَمَر. .
مضى هَذَا أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور الْآن، وَرِجَاله قد ذكرُوا عَن قريب وَفِيمَا مضى غير مرّة.
٣٧ - (بابُ هِجْرَةِ الحَبَشَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان هِجْرَة الْمُسلمين من مَكَّة إِلَى أَرض الْحَبَشَة، الْهِجْرَة فِي الأَصْل اسْم من الهجر ضد الْوَصْل وَقد هجره هجراً وهجراناً، ثمَّ غلبت على الْخُرُوج من أَرض إِلَى أَرض وَترك الأولى للثَّانِيَة، يُقَال مِنْهُ: هَاجر مهاجرة، وَكَانَ وُقُوع هِجْرَة الْمُسلمين من مَكَّة إِلَى أَرض الْحَبَشَة مرَّتَيْنِ. أولاهما: كَانَت فِي شهر رَجَب من سنة خمس من المبعث، قَالَ الْوَاقِدِيّ: أول من هَاجر مِنْهُم أحد عشر رجلا، وَأَرْبع نسْوَة، وَأَنَّهُمْ انْتَهوا إِلَى الْبَحْر مَا بَين ماش وراكب، فاستأجروا سفينة بِنصْف دِينَار إِلَى الْحَبَشَة وهم: عُثْمَان ابْن عَفَّان وَامْرَأَته رقية بنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة وَامْرَأَته سهلة بنت سُهَيْل، وَالزُّبَيْر ابْن الْعَوام، وَمصْعَب بن عُمَيْر، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد وَامْرَأَته أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة، وَعُثْمَان بن مَظْعُون