الإبْكَارُ أوَّلُ الفَجْرِ وَالعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ أُرَاهُ إلَى أنْ تَغْرُبَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {وَاذْكُر رَبك كثيرا وَسبح بالْعَشي والأبكار} (آل عمرَان: ٤١) . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: العشى من حِين تَزُول الشَّمْس إِلَى أَن تغيب والأبكار من طُلُوع الْفجْر إِلَى وَقت الضُّحَى وقرىء والأبكار بِفَتْح الْهمزَة جمع بكر كشجر وأشجار.
١ - (بابٌ: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} . وَقَالَ مُجَاهِدٌ الحَلالُ وَالحَرَامُ: وَأُخَرُ مُتشابِهاتٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلَاّ الفَاسِفِينَ وَكَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَيَجْعل الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلونَ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ
هَذَا الْكَلَام كُله كَلَام مُجَاهِد رَوَاهُ عبد بن حميد عَن روح عَن شبْل عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ: رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن الْمُبَارك عَن زيد بن الْمُبَارك عَن مُحَمَّد بن ثَوْر عَن ابْن جريج عَنهُ قَوْله: (مِنْهُ) . أَي: من الْكتاب، يَعْنِي: الْقُرْآن قَالَ: {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات} (آل عمرَان: ٧) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: محكمات أحكمت عبارتها بِأَن حفظت من الِاحْتِمَال والاشتباه. هن أم الْكتاب أَي: أصل الْكتاب. متشابهات مُشْتَبهَات محتملات وَقَالَ الْكرْمَانِي: أما اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ فَالْحكم هُوَ الْمُشْتَرك بَين النَّص وَالظَّاهِر الْمُتَشَابه هُوَ الْمُشْتَرك بَين الْمُجْمل والمؤول وَقَالَ الْخطابِيّ الْمُحكم هُوَ الَّذِي يعرف بِظَاهِر بَيَانه تَأْوِيله وبواضح أدلته بَاطِن مَعْنَاهُ، والمتشابه مَا اشْتبهَ مِنْهَا فَلم يتلق مَعْنَاهُ من لَفظه وَلم يدْرك حكمه من تِلَاوَته، وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: مَا إِذا رد إِلَى الْمُحكم وَاعْتبر بِهِ علم مَعْنَاهُ. وَالْآخر: مَا لَا سَبِيل إِلَى الْوُقُوف على حَقِيقَته وَهُوَ الَّذِي يتبعهُ أهل الزبغ فيبطلون تَأْوِيله وَلَا يبلغون فيرتابون فِيهِ فيفتنون بِهِ، وَذَلِكَ كالإيمان بِالْقدرِ وَنَحْوه، وَيُقَال: الْمُحكم مَا اتضحت دلَالَته، والمتشابه مَا يحْتَاج إِلَى نظر وَتَخْرِيج، وَقيل: الْمُحكم مَا لم ينْسَخ، والمتشابه مَا نسخ، وَقيل: الْمُحكم آيَات الْحَلَال وَالْحرَام، والمتشابه آيَات الصِّفَات وَالْقدر، وَقيل: الْمُحكم آيَات الْأَحْكَام، والمتشابه الْحُرُوف الْمُقطعَة. قَوْله: (وَأخر) جمع أُخْرَى، وَاخْتلف فِي عدم صرفهَا. فَقيل: لِأَنَّهَا نعت، كَمَا لَا تصرف كتع وَجمع لِأَنَّهُنَّ نعوت، وَقيل: لم تصرف لزِيَادَة الْيَاء فِي واحدتها وَأَن جمعهَا مبْنى على وَاحِدهَا فِي ترك الصّرْف: كحمراء وبيضاء فِي النكرَة والمعرفة لزِيَادَة الْمدَّة والهمزة فيهمَا. قَوْله: (يصدق) تَفْسِير للمتشابه. قَوْله: كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين} (الْبَقَرَة: ٢٦) إِشَارَة إِلَى أَن الْمَفْهُوم مِنْهُ أَن الْفَاسِقين أَي الضَّالّين إِنَّمَا ضلالتهم من جِهَة اتباعهم الْمُتَشَابه بِمَا لَا يُطَابق الْمُحكم طلب افتتان النَّاس عَن دينهم وَإِرَادَة إضلالهم. قَوْله: وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {وَيجْعَل الرجس على الَّذين لَا يعْقلُونَ} (يُونُس: ١٠٠) إِنَّمَا ذكر هَذَا تَصْدِيقًا لما تتضمنه الْآيَة الَّتِي قبلهَا حَيْثُ يَجْعَل الرجس على الَّذين لَا يعْقلُونَ، وَقيل: الرجس السخط. وَقيل: الْإِثْم، وَقيل: الْعَذَاب. وَقيل: الْفِتَن والنجاسة، أَي: يحكم عَلَيْهِم بِأَنَّهُم أنجاس غير طَاهِرَة، وَقَرَأَ الْأَعْمَش: الرجز: بالزاي وَبِه فسر الرجس أَيْضا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الرجل الخذلان وَهُوَ الْعَذَاب وَهُوَ شَبيه قَوْله: {على الَّذين لَا يعْقلُونَ} أَي أَمر الله وَلَا أَمر رَسُوله لأَنهم مصرون على الْكفْر. وَهَذَا أَيْضا رَاجع إِلَى معنى الَّذين يتبعُون مَا تشابه بِمَا لَا يُطَابق علم الراسخين. قَوْله: وَكَقَوْلِه: {وَالَّذين اهتدوا} (مُحَمَّد: ١٧) إِلَى آخِره، رَاجع فِي الْحَقِيقَة إِلَى معنى الَّذين صدرهم مُجَاهِد فِي كَلَامه الْمَذْكُور لِأَن مُرَاده من ذَلِك فِي نفسر الْأَمر الراسخون فِي الْعلم الَّذين اهتدوا وَزَادَهُمْ الله هدى، فَافْهَم، فَإِنِّي لم أر أحدا من الشُّرَّاح أُتِي سَاحل هَذَا فضلا أَن يغوص فِيهِ. وَالله أعلم.
زَيْغٌ شَكٌّ. ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} وَفسّر الزيغ بِالشَّكِّ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هم أهل الْبدع، {فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ} أَي: من الْكتاب الَّذِي هُوَ الْقُرْآن، وَيُقَال: هم أهل الضلال وَالْبَاطِل وَالْخُرُوج عَن الْحق (يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ) الَّذِي يُمكنهُم أَن يحرفوه إِلَى مقاصدهم الْفَاسِدَة وينزلوه عَلَيْهَا. قَوْله: (ابْتِغَاء الْفِتْنَة) ، أَي: طلبا أَن يفتنوا النَّاس عَن دينهم.
والراسِخُونَ يَعْلَمُونَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute