مِريَةٍ ومُرْيَةٍ واحِدٌ أَي امْتِرَاءٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أَلا إِنَّهُم فِي مرية من لِقَاء رَبهم} (فصلت: ٤٥) وَقَالَ: مرية، بِكَسْر الْمِيم ومرية بضَمهَا وَاحِد، وَمَعْنَاهَا: الامتراء، وَقِرَاءَة الْجُمْهُور بِالْكَسْرِ، وَقِرَاءَة الْحسن الْبَصْرِيّ بِالضَّمِّ.
وَقَالَ مُجاهدٌ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمُ الوَعِيدُ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} (فصلت: ٠٤) قَوْله: (الْوَعيد) ويروى: هُوَ وَعِيد، وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، أَرَادَ أَن الْأَمر هُنَا لَيْسَ على حَقِيقَته بل هُوَ أَمر تهديد وتوعيد وتوبيخ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاس: {أدْفَعْ بالتِي هِيَ أحْسَنُ} (فصلت: ٤٣) الصَّبْرُ عِنْدَ الغَضَب والعَفْوُ عِنْدَ الإساءَةِ فإذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ الله وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ: {كأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: ٤٣) [/ ح.
فسر عبد الله بن عَبَّاس. قَوْله: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسنُ) بقوله: (الصَّبْر) إِلَى آخِره، وَقد وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ. قَوْله: (كَأَنَّهُ ولي حميم) ، لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر. قَوْله: (بِالَّتِي هِيَ أحسن) ، أَي: بالخصلة الَّتِي هِيَ أحسن، وَعَن مُجَاهِد: هِيَ الْإِسْلَام.
١ - (بابُ قَوْلِهِ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أبْصارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلاكنْ ظَنَنْتُمْ أَن الله لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْلَمُونَ} (فصلت: ٢٢)
حَدِيث الْبَاب يُوضح معنى الْآيَة. قَوْله: (تستترون) ، أَي: تستخفون، قَالَه أَكثر الْعلمَاء، وَعَن مُجَاهِد: تَتَّقُون، وَعَن قَتَادَة: تظنون. قَوْله: (أَن يشْهد) أَي: لِأَن يشْهد، وَفِي تَفْسِير النَّسَفِيّ: وَمَا كُنْتُم تستترون، وتستخفون بالحيطان والحجب عِنْد ارْتِكَاب الْفَوَاحِش، وَمَا كَانَ استتاركم ذَلِك خيفة أَن تشهد عَلَيْكُم جوارحكم، لأنكم كُنْتُم غير عَالمين بشهادتها عَلَيْكُم، بل كُنْتُم جاحدين بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء أصلا.
٦١٨٤ - حدَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْع عَنْ رَوْحِ بنِ القاسمِ عنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجاهِدٍ عَنْ أبي مَعْمَرٍ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} الْآيَة. كانَ رجلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُما مِنْ ثَقِيفَ أوْ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفَ وَخَتَنٌ لَهُما مِنْ قُرَيْشٍ فِي بَيْتٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أتُرَوْنَ أنَّ الله يَسْمَعُ حَديثَنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْمَعُ بَعْضَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَئِنْ كانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ يَسْمَعَ كُلَّهُ فأُنْزِلَتْ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ولَا أبْصارُكُمْ} الْآيَة.
(مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والصلت، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن مُحَمَّد الخاركي، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالراء الْمَفْتُوحَة وَالْكَاف: نِسْبَة إِلَى خارك، اسْم مَوضِع من سَاحل فَارس يرابط فِيهِ، وروح بِفَتْح الرَّاء، وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن سَخْبَرَة الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن عَمْرو بن عَليّ. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن ابْن أبي عمر وَعَن أبي بكر بن خَلاد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن أبي عمر بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور وَعَن مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (عَن ابْن مَسْعُود وَمَا كُنْتُم تستترون) ، أَي: قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُم تستترون} قَوْله: (رجلَانِ من قُرَيْش وختن لَهما) ، الختن كل من كَانَ من قبل الْمَرْأَة. قَوْله: (أَو رجلَانِ من ثَقِيف) ، شكّ من أَبى معمر الرَّاوِي عَن ابْن مَسْعُود، وَأخرجه عبد الرَّزَّاق من طَرِيق وهب بن ربيعَة عَن ابْن مَسْعُود، بِلَفْظ ثقفي وختنان قرشيان، وَلم يشك. وَقَالَ ابْن بشكوال فِي (المبهمات) عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْقرشِي الْأسود بن عبد