بَعضهم وَأبْعد من قَالَ صلوا فِي مَسْجده بِغَيْر إِذْنه قلت غمز بِهِ على الْكرْمَانِي وَلَا بعد فِيهِ أصلا بل الْأَقْرَب هَذَا على مَا لَا يخفى قَوْله " مازال بكم " أَي ملتبسا بكم صنيعكم أَي مصنوعكم وَالْمرَاد بِهِ صلَاتهم قَوْله حَتَّى ظَنَنْت أَي حَتَّى خفت من الظَّن بِمَعْنى الْخَوْف هُنَا قَوْله " سيكتب عَلَيْكُم " أَي سيفرض عَلَيْكُم فَلَا تقوموا بِحقِّهِ فتعاقبوا عَلَيْهِ قَوْله " إِلَّا الْمَكْتُوبَة " أَي الْفَرِيضَة وَفِيه أَن أفضل النَّافِلَة مَا كَانَ مِنْهَا فِي الْبيُوت وَعند السّتْر عَن أعين النَّاس إِلَّا مَا كَانَ من شعار الشَّرِيعَة كالعيد وَحكى ابْن التِّين عَن قوم أَنه يسْتَحبّ أَن يَجْعَل فِي بَيته من فَرِيضَة والْحَدِيث يرد عَلَيْهِ فَإِن قلت ورد قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اجعلوا من صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبورا قلت هُوَ مَحْمُول على النَّافِلَة
٧٦ - (بابُ الحَذَرِ مِنَ الغَضَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الحذر من أجل الْغَضَب، وَهُوَ غليان دم الْقلب لإِرَادَة الانتقام.
لِقَوْلِ الله تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشورى: ٣٧) وَقَوله: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمرَان: ١٣٤) [/ ح.
احْتج للحذر من الْغَضَب بالآيتين الكريمتين، كَذَا سوق الْآيَتَيْنِ فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر سَاق إِلَى قَوْله: {والكاظمين الغيظ} ثمَّ قَالَ: الْآيَة، وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ فِي الْآيَتَيْنِ دلَالَة على التحذر من الْغَضَب إلَاّ أَنه لما ضم من يَكْظِم غيظه إِلَى من يجْتَنب الْفَوَاحِش كَانَ فِي ذَلِك إِشَارَة إِلَى الْمَقْصُود. قلت: لَيْسَ كَمَا قَالَ، بل فِي كل مِنْهُمَا دلَالَة على التحذر من الْغَضَب أما الْآيَة الأولى فَفِي مدح الَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم، قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الشّرك وَالْفَوَاحِش، قَالَ السّديّ: يَعْنِي الزِّنَا. وَقَالَ مقَاتل: يَعْنِي مُوجبَات الْحُدُود {وَإِذا مَا غضبوا هم يغفرون} بِمَعْنى: يتجاوزون ويحلمون، وَقد قيل: إِن هَذِه وَمَا قبلهَا نزلت فِي أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ، فَإِذا كَانَ مَا ذكر فِيهَا مدحاً يكون ضِدّه أَن لَا يتَجَاوَز الشَّخْص إِذا غضب، فَدلَّ ذَلِك بِالضَّرُورَةِ على التحذر من الْغَضَب المذموم، وَأما الْآيَة الْأُخْرَى فَفِي مدح الْمُتَّقِينَ الَّذين وَصفهم الله بِهَذِهِ الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة فِيهَا، فَيدل ضد هَذِه الْأَوْصَاف على الذَّم، وَمن الذَّم: عدم كظم الغيظ، وَعدم الْعَفو عَن النَّاس، وَعدم كظم الغيظ هُوَ عين الْغَضَب، فَدلَّ ذَلِك أَيْضا على التحذر من الْغَضَب، فَافْهَم، وَالله أعلم.
٦١١٤ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ؟ إنَّما الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الإغراء على الحذر من الْغَضَب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن الْحَارِث بن مِسْكين.
قَوْله: (بالصرعة) بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء الَّذِي يصرع الرِّجَال مكثراً فِيهِ وَهُوَ بِنَاء الْمُبَالغَة كالحفظة بِمَعْنى كثيرا الْحِفْظ، وَقَالَ ابْن التِّين: ضبطناه بِفَتْح الرَّاء وقرأه بَعضهم بسكونها وَلَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ عكس الْمَطْلُوب، قَالَ: وَضبط أَيْضا فِي بعض الْكتب بِفَتْح الصَّاد وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ عكس الْمَطْلُوب، لِأَن الصرعة بِسُكُون الرَّاء: من يصرعه غَيره كثيرا، وَهَذَا غير مَقْصُود هَهُنَا.
٦١١٥ - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا جَرِيرٌ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ عَديِّ بنِ ثابِت حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبَّ رَجلانِ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وأحَدُهُما يَسُبُّ صاحِبَهُ مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنِّي لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَها لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أعُوذُ بِاللَّه مِنَ الشَّيْطان الرَّجِيمِ، فقالُوا لِلرَّجُلِ: ألَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: إنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. (انْظُر الحَدِيث ٣٢٨٢ وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ مَا يجد) فَإِن من قَالَ هَذِه الْكَلِمَة لحذر عَن الْغَضَب