صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا وَأمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا هُوَ على الْمَوْسِم. أَو قَالَ: على هَيئته، قَالَ ابْن كثير وَهَذَا السِّيَاق فِيهِ غرابة من جِهَة أَن أَمِير الْحَج سنة عمْرَة الْجِعِرَّانَة إِنَّمَا كَانَ عتاب بن أسيد، وَأما أَبُو بكر فَإِنَّمَا كَانَ أَمِيرا سنة تسع. قَوْله: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَأذن مَعنا عَليّ) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده. قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأذن مَعنا، قيل: هَذَا غلط فَاحش مُخَالف لرِوَايَة الْجَمِيع، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام أبي هُرَيْرَة قطعا فَهُوَ الَّذِي كَانَ يُؤذن بذلك وَقَالَ عِيَاض: أَن أَكثر رُوَاة الْفربرِي وافقوا الْكشميهني قَالَ: وَهُوَ غلط.
٣ - (بابُ قَوْلِهِ: {وَأذَانٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أنَّ الله بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فإنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ ألِيمٍ إلَاّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أحَدا فأتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إنَّ الله يُحِبُّ المُتَّقِينَ} (التَّوْبَة: ٣، ٤)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وأذان من الله} إِلَى آخِره. قَوْله: (وأذان من الله) أَي: إِعْلَام من الله وَرَسُوله وإنذار إِلَى النَّاس وارتفاع: أَذَان، عطفا على براة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وارتفاعه كارتفاع بَرَاءَة على الْوَجْهَيْنِ. قَوْله: (إِلَى النَّاس) أَي: لجميعهم. قَوْله: (يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) ، وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي هُوَ أفضل أَيَّام الْمَنَاسِك، وأظهرها وأكثرها جمعا، وَقَالَ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أبي إِسْحَاق: سَأَلت أبام جُحَيْفَة عَن يَوْم الْحَج الْأَكْبَر، قَالَ: يَوْم عَرَفَة، وروى عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم عَرَفَة، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَعبد الله بن الزبير وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وطاووس أَنهم قَالُوا: يَوْم عَرَفَة هُوَ يَوْم الْحَج الْأَكْبَر، وَقد ورد فِي ذَلِك حَدِيث مُرْسل رَوَاهُ ابْن جريج: أخْبرت عَن مُحَمَّد بن قيس بن مخرمَة (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خطب يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: هَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) . وَقَالَ هشيم عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر، وَرُوِيَ عَن عَليّ من وُجُوه أخر كَذَلِك، وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: حَدثنَا سُفْيَان وَشعْبَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن عبد الله بن أبي أوفى أَنه قَالَ: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر، وَكَذَا رُوِيَ عَن الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة أَنه خطب يَوْم الْأَضْحَى على بعير، فَقَالَ: هَذَا يَوْم الْأَضْحَى وَهَذَا يَوْم النَّحْر وَهَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر، وروى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر، وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن أبي جُحَيْفَة وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُجاهد وَأبي جَعْفَر الباقر وَالزهْرِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم أَنهم قَالُوا: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر، وروى ابْن جرير بِإِسْنَادِهِ عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: (وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر عِنْد الجمرات فِي حجَّة الْوَدَاع، وَقَالَ: هَذَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر) ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أبي جَابر واسْمه مُحَمَّد بن عبد الْملك بِهِ، وَعَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر الْيَوْم الثَّانِي من يَوْم النَّحْر. رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم، وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضا: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر أَيَّام الْحَج كلهَا، وَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد. وَقَالَ سهل السراج: سُئِلَ الْحسن الْبَصْرِيّ عَن يَوْم الْحَج الْأَكْبَر، فَقَالَ: مَا لكم وللحج الْأَكْبَر ذَاك عَام حج فِيهِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ، الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فحج بِالنَّاسِ، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم، وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنَا ابْن وَكِيع حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن ابْن عَوْف. سَأَلت مُحَمَّدًا يَعْنِي: ابْن سِيرِين عَن يَوْم الْحَج الْأَكْبَر، قَالَ: كَانَ يَوْمًا وَافق فِيهِ حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحج أهل الْوَبر. قَوْله: (أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين) أَي: ليعلم النَّاس بَعضهم بَعْضًا (أَن الله) وقرىء (إِن الله) بِالْكَسْرِ لِأَن الإيذان فِي معنى القَوْل. قَوْله: (وَرَسُوله) فِيهِ قراءتان الرّفْع وَهِي الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة وَمَعْنَاهُ: وَرَسُوله أَيْضا برىء من الْمُشْركين، وَالنّصب وَمَعْنَاهُ: وَأَن رَسُول الله بَرِيء من الْمُشْركين، وَهِي قِرَاءَة شَاذَّة، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَرَسُوله، عطف على الْمَنوِي فِي: بَرِيء أَي: بَرِيء، هُوَ أَو على مَحل: إِن الْمَكْسُورَة وَاسْمهَا، وقرىء بِالنّصب عطفا على إسم إِن، أَو لِأَن الْوَاو بِمَعْنى: مَعَ أَي: برىء مَعَه مِنْهُم، وبالجر على الْجوَار، وَقيل: على الْقسم كَقَوْلِك: لعمرك. قَوْله: (فَإِن تبتم) أَي: من الْغدر وَالْكفْر {فَهُوَ خير لكم وَإِن توليتم} عَن التَّوْبَة أَو ثبتمْ على التولي والإعراض عَن الْإِسْلَام وَالْوَفَاء، فاعلموا أَنكُمْ غير سابقين الله وَلَا فائتين أَخذه وعقابه. قَوْله: (إِلَّا الَّذين) ، اسْتثِْنَاء من: برىء، وَقيل:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute