للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تابَعَهُ مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ

أَي: تَابع صَالح بن كيسَان معمر بن رَاشد فِي رِوَايَة عَن الزُّهْرِيّ. وَأخرج مُسلم هَذِه الْمُتَابَعَة عَن ابْن أبي عمر وَعبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد: (رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته بمنى فجَاء رجل. .) الحَدِيث.

٢٣١ - (بابُ الْخطْبَةِ أيَّامَ مِنىً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة الْخطْبَة أَيَّام منى، قيل: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرّد على من زعم أَن يَوْم النَّحْر لَا خطْبَة فِيهِ للْحَاج، وَأَن الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث من قبيل الْوَصَايَا الْعَامَّة لَا على أَنه من شَعَائِر الْحَج، فَأَرَادَ البُخَارِيّ أَن يبين أَن الرَّاوِي قد سَمَّاهَا خطْبَة كَمَا سمي الَّتِي وَقعت فِي عَرَفَات خطْبَة، وَقد اتَّفقُوا على مَشْرُوعِيَّة الْخطْبَة بِعَرَفَات، فَكَأَنَّهُ ألحق الْمُخْتَلف فِيهِ بالمتفق عَلَيْهِ. انْتهى. قلت: أَرَادَ هَذَا الْقَائِل بِهَذَا الرَّد على الطَّحَاوِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْخطْبَة الْمَذْكُورَة لَيست من متعلقات الْحَج لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهَا شَيْئا من أُمُور الْحَج، وَإِنَّمَا ذكر فِيهَا وَصَايَا عَامَّة، وَلم ينْقل أحد أَنه علمهمْ شَيْئا من الَّذِي يتَعَلَّق بِيَوْم النَّحْر، فَعرفنَا أَنَّهَا لم تقصد لأجل الْحَج. انْتهى. قلت: رد هَذَا الْقَائِل عَن الطَّحَاوِيّ أَو على غَيره مِمَّن قَالَ مثل مَا قَالَ الطَّحَاوِيّ مَرْدُود عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يذكر شَيْئا أصلا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور من أُمُور الْحَج، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك من أجل تَبْلِيغ مَا ذكره لِكَثْرَة الْجمع الَّذِي الَّذِي اجْتمع من أقاصي الدُّنْيَا، هَكَذَا قَالَ ابْن الْقصار أَيْضا، ثمَّ قَالَ: فَظن الَّذِي رَآهُ أَنه خطب، وَقَالَ بَعضهم، نصْرَة للقائل الْمَذْكُور: وَأجِيب بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نبه فِي الْخطْبَة الْمَذْكُورَة على تَعْظِيم يَوْم النَّحْر، وعَلى تَعْظِيم شهر ذِي الْحجَّة، وعَلى تَعْظِيم الْبَلَد الْحَرَام، وَقد جزم الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بتسميتها خطْبَة فَلَا يلْتَفت إِلَى تَأْوِيل غَيرهم. انْتهى. قلت: لَيْت شعري مَا وَجه هَذَا الَّذِي ذكره أَن يكون جَوَابا؟ وتعظيم هَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة لَيْسَ لَهُ دخل فِي أُمُور الْحَج، وتعظيم هَذِه الْأَشْيَاء غير مُقَيّد بأوقات الْحَج، بل يجب تعظيمها مُطلقًا. وَقَوله: وَقد جزم الصَّحَابَة ... إِلَى آخِره، دَعْوَى بِلَا دَلِيل. على أَنا نقُول: إِن تسميتهم للتبليغ الْمَذْكُور خطْبَة لَيست على حَقِيقَة الْخطْبَة الْمَعْهُودَة الْمُشْتَملَة على أَشْيَاء شَتَّى، وَقَالَ بَعضهم فِي الرَّد على الطَّحَاوِيّ فِي قَوْله: وَلم ينْقل أحد أَنه، عَلَيْهِ السَّلَام، علمهمْ شَيْئا من أُمُور الْحَج، بقوله: وَأما قَول الطَّحَاوِيّ: وَلم ينْقل أحد ... إِلَى آخِره، لَا يَنْفِي وُقُوع ذَلِك أَو شَيْء مِنْهُ فِي نفس الْأَمر، بل قد ثَبت فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه شهد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يخْطب يَوْم النَّحْر وَذكر فِيهِ السُّؤَال عَن تَقْدِيم بعض الْمَنَاسِك على بعض، فَكيف سَاغَ للطحاوي هَذَا النَّفْي الْمُطلق مَعَ رِوَايَته هُوَ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو؟ انْتهى. قلت: كَيفَ سَاغَ لهَذَا الْقَائِل أَن يحط على الطَّحَاوِيّ بفهمه كَلَامه على غير أَصله؟ فَإِنَّهُ لم ينف مُطلقًا، وَإِنَّمَا مُرَاده نفي دلَالَة حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب على أَنه خطْبَة وَقعت يَوْم النَّحْر، وَلَا يلْزم من هَذَا أَن يَنْفِي نفيا مُطلقًا، وتأييد رده عَلَيْهِ بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو يُؤَيّد ضعف مَا فهمه من كَلَامه، لِأَن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو لَيْسَ فِيهِ مَا يدل صَرِيحًا على لفظ: خطب، فَإِن لفظ البُخَارِيّ وَمُسلم: (وقف فِي حجَّة الْوَدَاع فَجعلُوا يسألونه) . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لمُسلم: (وقف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على رَاحِلَته فَطَفِقَ نَاس يسألونه) ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ (أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: حلقت قبل أَن أذبح) الحَدِيث، وَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذِه الْأَلْفَاظ مَا يدل على أَنه خطْبَة، وَإِنَّمَا هُوَ سُؤال وَجَوَاب وَتَعْلِيم وَتعلم، فَلَا يُسمى هَذَا خطْبَة، وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي أَحَادِيث أُخْرَى غير حَدِيث عبد الله بن عَمْرو مَا يدل على أَنه خطْبَة، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (قَالَ: جَاءَ رجل، يَا رَسُول الله! حلقت قبل أَن أنحر) الحَدِيث، وروى النَّسَائِيّ عَن جَابر: (أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله ذبحت قبل أَن أرمي) الحَدِيث، وروى ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَيْضا يَقُول: (قعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى يَوْم النَّحْر للنَّاس، فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي حلقت قبل أَن أذبح. .) ، وروى الْأَئِمَّة السِّتَّة، خلا التِّرْمِذِيّ، عَن ابْن عَبَّاس من طَرِيق وَلَيْسَ فِيهَا مَا يدل على أَنه خطْبَة، فروى الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه (عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ فِي الذّبْح وَالْحلق وَالرَّمْي والتقديم وَالتَّأْخِير، قَالَ: لَا حرج) ، وروى البُخَارِيّ وَأَصْحَاب السّنَن، خلا التِّرْمِذِيّ، من رِوَايَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (كَانَ النَّبِي

<<  <  ج: ص:  >  >>