فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إحْدَى المُؤْمِنِينَ، أوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فقالُوا: إنْ حَجَبَها فَهْيَ مِنْ أمهاتِ المُؤْمِنِينَ، وإنْ لَمْ يَحْجُبْها فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينَهُ. فلَمَّا ارْتَحَلَ وطَأ لَها خَلْفَهُ ومَدَّ الحِجابَ بَيْنَها وبَيْنَ النَّاسِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الصَّحَابَة تردد فِي أَن صَفِيَّة: هَل هِيَ زَوجته أَو سريته؟ فيطابق الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر، وَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَة عَن قُتَيْبَة أَيْضا. وَحمد بن سَلام فرقهما.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح وَفِي الْوَلِيمَة عَن عَليّ بن حجر، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يُبنى عَلَيْهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْبناء وَهُوَ الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الرجل، إِذا تزوج امْرَأَة بني عَلَيْهَا قبَّة ليدْخل بهَا فِيهَا، فَيُقَال: بنى الرجل على أَهله، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَلَا يُقَال بني بأَهْله. قَوْله: (إِحْدَى) الْهمزَة الاستفهامية مقدرَة أَي: أإحدى إِلَيّ آخِره. قَوْله: (وطَّأها خَلفه) أَي: هيأ لصفيه شَيْئا تقعد عَلَيْهِ خَلفه على النَّاقة.
٣١ - (بابُ مَنْ جَعَلَ عِتْقَ الأمَةِ صَدَاقَها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من جعل عتق الْأمة صَدَاقهَا، مَعْنَاهُ: أَن يعْتق أمة على أَن يتَزَوَّج بهَا وَيكون عتقهَا صَدَاقهَا، وَلم يذكر فِي التَّرْجَمَة حكم هَذَا، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ، فَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَقَتَادَة وطاووس وَالْحسن بن حييّ وَأحمد وَإِسْحَاق: جَازَ ذَلِك، فَإِذا عقد عَلَيْهَا لَا تسْتَحقّ عَلَيْهِ مهْرا غير ذَلِك الْعتاق وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا القَوْل: سُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو يُوسُف صَاحب أبي حنيفَة، وَذكر التِّرْمِذِيّ أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: فَإِن أعْتقهَا على هَذَا الشَّرْط فقلبت عتقت وَلَا يلْزمهَا أَن تتزوجه بل لَهُ عَلَيْهَا قيمتهَا لِأَنَّهُ لم يرض بِعتْقِهَا مجَّانا. فَإِن رضيت وَتَزَوجهَا على مهر يتفقان عَلَيْهِ فَلهُ عَلَيْهَا الْقيمَة وَلها عَلَيْهِ الْمهْر الْمُسَمّى من قَلِيل أَو كثير، وَإِن تزَوجهَا على قيمتهَا فَإِن كَانَت قيمتهَا مَعْلُومَة أَولهَا صَحَّ الصَدَاق وَلَا يبْقى لَهُ عَلَيْهَا قيمَة وَلَا لَهَا عَلَيْهِ صدَاق، وَإِن كَانَت مَجْهُولَة فَفِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا: أَحدهمَا: يَصح الصَدَاق، وأصحهما، وَبِه قَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا: لَا يَصح الصَدَاق بل يَصح النِّكَاح وَيجب لَهَا مهر الْمثل، انْتهى. وَقَالَ اللَّيْث بن سعد وَابْن شبْرمَة وَجَابِر بن زيد وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر وَمَالك: لَا يجوز ذَلِك، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: لَيْسَ لأحد غير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يفعل هَذَا فَيتم لَهُ النِّكَاح بِغَيْر صدَاق سوى الْعتاق، إِنَّمَا كَانَ ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الله، عز وَجل، جعل لَهُ أَن يتَزَوَّج بِغَيْر صدَاق، وَيكون لَهُ التَّزَوُّج على الْعتاق الَّذِي لَيْسَ بِصَدَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن فعل ذَلِك رجل وَقع الْعتاق وَلها عَلَيْهِ مهر الْمثل، فَإِن أَن تتزوجه تسْعَى لَهُ فِي قيمتهَا، وَقَالَ مَالك وَزفر: لَا شَيْء لَهُ عَلَيْهَا.
٦٨٠٥ - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا حَمَّادٌ عنْ ثابِتٍ وشُعَيْبٍ بنِ الْحَبحَابِ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتَقَ صَفِيَّةَ وجعَلَ عِتْقَها صَدَاقَها..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وثابت هُوَ ابْن أسلم الْبنانِيّ، بِضَم الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى، وَشُعَيْب بن الحبحاب، بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي غَزْوَة خَيْبَر.
واحتجت الطَّائِفَة الأولى أَعنِي: سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمن مَعَهُمَا بِهَذَا الحَدِيث فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وأجابت الطَّائِفَة الثَّانِيَة بأجوبة مِنْهَا أَنهم قَالُوا: هَذَا من قَول أنس لِأَنَّهُ لم يسْندهُ فَلَعَلَّهُ تَأْوِيل مِنْهُ إِذْ لم لَهَا صدَاق، وَمِنْهَا مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: إِنَّه مَخْصُوص بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ لغيره أَن يفعل ذَلِك، وَمِنْهَا أَن الطَّحَاوِيّ رُوِيَ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه فعل فِي جوَيْرِية بنت الْحَارِث مِثْلَمَا فعله فِي صَفِيَّة، ثمَّ قَالَ ابْن عمر: بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثل هَذَا الحكم أَنه يجدد لَهَا صَدَاقا، فَدلَّ هَذَا أَن الحكم فِي ذَلِك بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على غير مَا كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك سَمَاعا سَمعه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيحْتَمل أَن يكون دله على هَذَا خصوصيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ تقوم الْحجَّة لأهل الْمقَالة الثَّانِيَة قلت: وَمِمَّا يُؤَيّد كَلَام ابْن