لَكُمُ الصَّلاةَ الجَنَّةَ والنَّارَ مُمَثَّلتَيْنِ فِي قُبُلِ هاذا الجِدارِ، فَلَمْ أرَ كالْيَوْمِ فِي الخَيْرِ والشِّرِّ، فَلَمْ أرَ كالْيَوْمِ فِي الخَيْرِ والشَّرِّ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن تكون الْجنَّة المرغبة وَالنَّار المرهبة نصب عين الْمُصَلِّي ليكونا باعثين على مداومة الْعَمَل وإدمانه.
وَمُحَمّد بن فليح بِضَم الْفَاء مصغر الفلح بِالْفَاءِ والحاء الْمُهْملَة يروي عَن أَبِيه فليج بن سُلَيْمَان الْمُغيرَة الْخُزَاعِيّ، وَقيل: الْأَسْلَمِيّ، وهلال بن عَليّ وَهُوَ هِلَال بن أبي مَيْمُونَة وَيُقَال هِلَال بن أبي هِلَال.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب رفع الْبَصَر إِلَى الإِمَام، عَن يحيى بن صَالح وَعَن مُحَمَّد بن سِنَان.
قَوْله: (ثمَّ رقى) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْقَاف أَي: صعد وزنا وَمعنى. قَوْله: (قبل قبْلَة الْمَسْجِد) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: جِهَة قبْلَة الْمَسْجِد. قَوْله: (أريت) بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء. قَوْله: (الْجنَّة) ، نصب على أَنه مفعول ثانٍ لأريت. قَوْله: (ممثلتين) أَي: مصورتين. قَوْله: (فِي قبل هَذَا الْجِدَار) ، بِضَم الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: قُدَّام هَذَا الْجِدَار أَي: جِدَار الْمَسْجِد، ويروى: (هَذَا الْحَائِط) ، يُقَال: مثل لَهُ أَي: صور لَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهِ. قَوْله: (فَلم أر كَالْيَوْمِ) أَي: يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم، وَقد وَقع هَذَا مكرراً تَأْكِيدًا.
٩١ - (بَاب الرَّجاءِ مَعَ الخَوْفِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب الرَّجَاء مَعَ الْخَوْف، فَلَا يقطع النّظر فِي الرَّجَاء عَن الْخَوْف وَلَا فِي الْخَوْف عَن الرَّجَاء لِئَلَّا يقْضِي فِي الأول، إِلَى الْكبر. وَفِي الثَّانِي إِلَى الْقنُوط، وكل مِنْهُمَا مَذْمُوم، وَالْمَقْصُود من الرَّجَاء أَن من وَقع مِنْهُ تَقْصِير فليحسن ظَنّه بِاللَّه ويرجو أَن يمحو عَنهُ ذَنبه، وَكَذَا من وَقع مِنْهُ طَاعَة يَرْجُو قبُولهَا، وَأما من انهمك فِي الْمعْصِيَة راجياً عدم الْمُؤَاخَذَة بِغَيْر نَدم وَلَا إقلاع فَهَذَا غرور فِي غرور، وَقد أخرج ابْن مَاجَه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن وهب عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قلت: يَا رَسُول الله! الَّذين يُؤْتونَ وَقُلُوبهمْ وَجلة، أهوَ الَّذِي يسرق ويزني؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن الَّذِي يَصُوم وَيتَصَدَّق وَيُصلي وَيخَاف أَن لَا يقبل مِنْهُ.
وَقَالَ سُفْيانُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ أشَدُّ عَلَيَّ مِنْ {لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة والانجيل وَمَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} (الْمَائِدَة: ٨٦) .
سُفْيَان هَذَا هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَأول الْآيَة: {قل يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء} وَإِنَّمَا كَانَ أَشد لِأَنَّهُ يسْتَلْزم الْعلم بِمَا فِي الْكتب الإلهية وَالْعَمَل بهَا، وَقد مر فِي تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة، وَقيل: الأخوف هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقوا النَّار الَّتِي أعدت للْكَافِرِينَ} (آل عمرَان: ١٣١) وَقيل: هُوَ {لبئس مَا كَانُوا يصنعون} (الْمَائِدَة: ٣٦) وَقيل: أخوف آيَة {من يعْمل سوءا يجْزِيه} (النِّسَاء: ٣٢١) فَإِن قلت: مَا وَجه مُنَاسبَة الْآيَة بالترجمة؟ .
قلت: من حَيْثُ إِن الْآيَة تدل على أَن من لم يعْمل بِمَا تضمنه الْكتاب الَّذِي أنزل عَلَيْهِ لم يحصل لَهُ النجَاة، وَلَا يَنْفَعهُ رجاؤه من غير عمل مَا أَمر بِهِ.
٩٦٤٦ - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبدَ الرَّحْمانِ عنْ عَمْرِو بن أبي عَمْرٍ وعنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إنَّ الله خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَها مِائَةَ رَحْمَةٍ فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً وأرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً واحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ بِكُلِّ الّذِي عِنْدَ الله مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأسْ مِنَ الجَنَّةِ، ولَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنَدَ الله مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ) . (انْظُر الحَدِيث ٠٠٠٦) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَلَو يعلم الْكَافِر)
إِلَى آخر الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن الْمُكَلف لَو تحقق مَا عِنْد الله من الرَّحْمَة لما قطع رَجَاءَهُ أصلا، وَلَو تحقق مَا عِنْده من الْعَذَاب لما ترك الْخَوْف أصلا، فَيَنْبَغِي أَن يكون بَين الْخَوْف والرجاء فَلَا يكون مفرطاً فِي الرَّجَاء بِحَيْثُ يصير من المرجئة الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَا يضر مَعَ الْإِيمَان شَيْء وَلَا فِي الْخَوْف بِحَيْثُ يكون من الْخَوَارِج والمعتزلة