أَيْضا بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث أبي مَسْعُود البدري: (أَلا أريكم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟) فَذكر حَدِيثا طَويلا، قَالَ: ثمَّ ركع فَوضع كفيه على رُكْبَتَيْهِ، وفضلة أَصَابِعه على سَاقيه) . وَبِمَا رَوَاهُ وَائِل بن حجر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع وضع يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا. وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي صَالح: عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (اشْتَكَى أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مشقة السُّجُود عَلَيْهِم إِذا انفرجوا، فَقَالَ: اسْتَعِينُوا بالركب) . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وَلَفظه: (اشْتَكَى بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مشقة السُّجُود عَلَيْهِم إِذا انفرجوا، فَقَالَ: اسْتَعِينُوا بالركب) . وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَلَفظه: (اشْتَكَى النَّاس إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التفرج فِي الصَّلَاة، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اسْتَعِينُوا بالركب) . فَإِن قلت: لم يسْتَدلّ أَبُو دَاوُد وَلَا التِّرْمِذِيّ بِهَذَا الحَدِيث على وضع الْأَيْدِي بالركب فِي الرُّكُوع، أما أَبُو دَاوُد فَإِنَّهُ ذكره فِي: بَاب رخصَة افتراش الْيَدَيْنِ فِي السُّجُود، وَأما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ ذكره فِي الِاعْتِمَاد فِي السُّجُود. قلت: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اسْتَعِينُوا بالركب) ، أَعم من أَن يكون فِي الرُّكُوع أَو فِي السُّجُود، وَالْمعْنَى: اسْتَعِينُوا بِأخذ الْأَيْدِي على الركب، وَلِهَذَا أخرجه الطَّحَاوِيّ لأجل الِاسْتِدْلَال للْجَمَاعَة الْمَذْكُورين. وَاحْتج أَيْضا بِمَا رَوَاهُ من حَدِيث أبي حُصَيْن عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي عَن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَمْسكُوا فقد سنت لكم الركب) . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَلَفظه: (قَالَ لنا عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن الركب سنة لكم، فَخُذُوا بالركب) . وَفِي رِوَايَة لَهُ: (سنت لكم الركب فأمسكوا بالركب) . قَوْله: (أمِسُّوا) ، أَمر من الإمساس، وَالْمعْنَى: أَمْسوا أَيْدِيكُم ركبكم، فقد سنت لكم الركب، يَعْنِي: سنّ إمساسها وَالْأَخْذ بهَا، وَصُورَة الْأَخْذ قد ذَكرنَاهَا عَن قريب. وَفِي (الْمُغنِي) لِابْنِ قدامَة: قَالَ أَحْمد: يَنْبَغِي لَهُ إِذا ركع أَن يلقم راحتيه رُكْبَتَيْهِ وَيفرق بَين أَصَابِعه ويعتمد على ضبعيه وساعديه وَيُسَوِّي ظَهره وَلَا يرفع رَأسه وَلَا ينكسه. ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذِه الْآثَار مُعَارضَة لما رَوَاهُ إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة وَالْأسود: أَنَّهُمَا دخلا على عبد الله فَقَالَ: أصلى هَؤُلَاءِ خلفكم؟ فَقَالَا: نعم، فَقَامَ بَينهمَا وَجعل أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله، ثمَّ ركعنا فَوَضَعْنَا أَيْدِينَا على الركب، فَضرب أَيْدِينَا، فطبق ثمَّ طبق بيدَيْهِ، فجعلهما بَين فَخذيهِ، فَلَمَّا صلى قَالَ: هَكَذَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَبِه أَخذ إِبْرَاهِيم وعلقمة وَالْأسود وَأَبُو عُبَيْدَة، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَمَعَ الْآثَار الْمَذْكُورَة من التَّوَاتُر مَا لَيْسَ مَعَ حَدِيث عَلْقَمَة وَالْأسود، فاعتبرنا فِي ذَلِك، فَإِذا أَبُو بكر قد حَدثنَا وسَاق حَدِيث الْبَاب، فقد ثَبت بِهِ نسخ التطبيق، وَإنَّهُ كَانَ مُتَقَدما لما فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وضع الْيَدَيْنِ على الرُّكْبَتَيْنِ، وَقد روى ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر بِإِسْنَاد قوي، قَالَ: إِنَّمَا فعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة، يَعْنِي: التطبيق، وَقَالَ بَعضهم: حمل حَدِيث ابْن مَسْعُود على أَنه لم يبلغهُ النّسخ. قلت: ابْن مَسْعُود أسلم قَدِيما وَهُوَ صَاحب نعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يلْبسهُ إِيَّاهَا إِذا قَامَ وَإِذا جلس أدخلها فِي ذراعه، وَكَانَ كثير الولوج على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يُفَارِقهُ إِلَى أَن مَاتَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَيف خَفِي عَلَيْهِ أَمر وضع الْيَدَيْنِ على الرُّكْبَتَيْنِ؟ وَكَيف لم يبلغهُ النّسخ؟ وَقد روى عبد الرَّزَّاق عَن عَلْقَمَة وَالْأسود، قَالَا: (صلينَا مَعَ عبد الله فطبق، ثمَّ لَقينَا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فصلينا مَعَه فطبقنا، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: ذَلِك شَيْء كُنَّا نفعله ثمَّ ترك) ، وَلم يأمرهما عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالْإِعَادَةِ، فَدلَّ على أحد الشَّيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن النَّهْي الْوَارِد فِيهِ كَرَاهَة التَّنْزِيه لَا التَّحْرِيم. وَالْآخر: يدل على التَّخْيِير، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من طَرِيق عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: إِذا ركعت فَإِن شِئْت قلت هَكَذَا، يَعْنِي وضعت يَديك على ركبتيك، وَإِن شِئْت طبقت وَإِسْنَاده حسن، فَهَذَا ظَاهر فِي أَنه، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يرى التَّخْيِير. وَقَول بَعضهم: إِمَّا لم يبلغهُ النَّهْي وَإِمَّا حمله على كَرَاهَة التَّنْزِيه، لَيْسَ بِظَاهِر، لِأَن التَّخْيِير يُنَافِي الْكَرَاهَة، وَقد وَردت الْحِكْمَة فِي إِيثَار التَّفْرِيج على التطبيق عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أوردهُ سيف فِي (الْفتُوح) من رِوَايَة مَسْرُوق أَنه سَأَلَهَا عَن ذَلِك فأجابت بِمَا محصله: إِن التطبيق من صَنِيع الْيَهُود، وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنهُ لذَلِك، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعجبهُ مُوَافقَة أهل الْكتاب فِيمَا لم ينزل عَلَيْهِ، ثمَّ أَمر فِي آخر الْأَمر بمخالفتهم، وَالله تَعَالَى أعلم.
١١٩ - (بابٌ إذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: إِذا لم يتم الْمُصَلِّي رُكُوعه، وَجَوَاب: إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: يُعِيد صلَاته، وَإِنَّمَا لم يذكرهُ هَهُنَا اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبَاب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute