للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَني فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إليَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعاً، وإنْ تَقَرَّبَ إليَّ ذِراعاً تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعاً، وإنْ أَتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ذكرته فِي نَفسِي

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي يَعْنِي: إِن ظن أَنِّي أعفو عَنهُ وأغفر لَهُ فَلهُ ذَلِك، وَإِن ظن الْعقُوبَة والمؤاخذة فَكَذَلِك، وَيُقَال: إِن كَانَ فِيهِ شَيْء من الرَّجَاء رجاه لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو إلَاّ مُؤمن بِأَن لَهُ ربّاً يجازي، وَيُقَال: إِنِّي قَادر على أَن أعمل بِهِ مَا ظن أَنِّي عَامله بِهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه إِشَارَة إِلَى تَرْجِيح جَانب الرَّجَاء على الْخَوْف. قَوْله: وَأَنا مَعَه أَي: بِالْعلمِ إِذْ هُوَ منزه عَن الْمَكَان، وَقيل: أَنا مَعَه بِحَسب مَا قصد من ذكره لي. قَوْله: فَإِن ذَكرنِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي يَعْنِي: إِن ذَكرنِي بالتنزيه وَالتَّقْدِيس سرّاً ذكرته بالثواب وَالرَّحْمَة سرّاً، وَقيل: مَعْنَاهُ إِن ذَكرنِي بالتعظيم أذكرهُ بالإنعام. قَوْله: وَإِن ذَكرنِي فِي مَلأ أَي: فِي جمَاعَة ذكرته فِي مَلأ خير مِنْهُم يَعْنِي الْمَلَائِكَة المقربين. وَقَالَ ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث نَص من الشَّارِع على أَن الْمَلَائِكَة أفضل من بني آدم، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور أهل الْعلم، وعَلى ذَلِك شَوَاهِد من كتاب الله تَعَالَى، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} وَلَا شكّ أَن الخلود أفضل من الفناء، فَكَذَلِك الْمَلَائِكَة أفضل من بني آدم وإلَاّ فَلَا يَصح معنى الْكَلَام. قلت: مَا وَافق أحد على أَن هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور، بل الْجُمْهُور على تَفْضِيل الْبشر، وَفِيه الْخلاف الْمَشْهُور بَين أهل السّنة والمعتزلة، وأصحابنا الْحَنَفِيَّة فصلوا فِي هَذَا تَفْصِيلًا حسنا: وَهُوَ أَن خَواص بني آدم أفضل من خَواص الْمَلَائِكَة، وعوام بني آدم أفضل من عوامهم، وخواص الْمَلَائِكَة أفضل من عوام بني آدم، واستدلالهم بِهَذَا الحَدِيث على تَفْضِيل الْمَلَائِكَة على بني آدم لَا يتم لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يُرَاد بالملأ الْخَيْر الْأَنْبِيَاء أَو أهل الفراديس. قَوْله: وَإِن تقرب إليّ بشبر هَكَذَا رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: بشبر، بِزِيَادَة الْبَاء فِي أَوله وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: شبْرًا، بِالنّصب أَي: مِقْدَار شبر، وَكَذَلِكَ تَقْدِير ذِرَاعا مِقْدَار ذِرَاع، وَتَقْدِير: باعاً مِقْدَار بَاعَ. قَوْله: هرولة أَي: إتياناً هرولة والهرولة الْإِسْرَاع وَنَوع من الْعَدو وأمثال هَذِه الإطلاقات لَيْسَ إلَاّ على سَبِيل التَّجَوُّز إِذْ الْبَرَاهِين الْعَقْلِيَّة القاطعة قَائِمَة على استحالتها على الله تَعَالَى، فَمَعْنَاه: من تقرب إليّ بِطَاعَة قَليلَة أُجَازِيهِ بِثَوَاب كثير، وَكلما زَاد فِي الطَّاعَة أَزِيد فِي الثَّوَاب، وَإِن كَانَ كَيْفيَّة إِتْيَانه بِالطَّاعَةِ على التأني يكون كَيْفيَّة إتياني بالثواب على السرعة. فالغرض أَن الثَّوَاب رَاجِح على الْعَمَل مضاعف عَلَيْهِ كَمَا وكيفاً، وَلَفظ: النَّفس والتقرب والهرولة، إِنَّمَا هُوَ مجَاز على سَبِيل المشاكلة، أَو على طَرِيق الِاسْتِعَارَة، أَو على قصد إِرَادَة لوازمها، وَهُوَ من الْأَحَادِيث القدسية الدَّالَّة على كرم أكْرم الأكرمين وأرحم الرَّاحِمِينَ.

١٦ - (بابُ قَوْلِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَاهاًءَاخَرَ لَا إِلَاهَ إِلَاّ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل ... إِلَى آخِره. قَوْله: وَكَذَا فِي قَوْله {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإِكْرَامِ} وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذِه الْآيَة والْحَدِيث دلَالَة على أَن لله وَجها، وَهُوَ من صفة ذَاته وَلَيْسَ بجارحة وَلَا كالوجوه الَّتِي نشاهدها من المخلوقين، كَمَا نقُول: إِنَّه عَالم وَلَا نقُول إِنَّه كالعلماء الَّذين نشاهدهم. وَقَالَ غَيره: دلّت الْآيَة على أَن المُرَاد بِالْوَجْهِ الذَّات المقدسة، وَلَو كَانَت صفة من صِفَات الْعلم لشملها الْهَلَاك كَمَا شَمل غَيرهَا من الصِّفَات، وَهُوَ محَال. وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا حَاصله: إِن المُرَاد بِالْوَجْهِ الذَّات، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إلاّ جاهه، وَاحْتج بقوله: لفُلَان جاه فِي النَّاس، أَي: وَجه. وَقيل: إلَاّ إِيَّاه، وَلَا يجوز أَن يكون وَجهه غَيره لِاسْتِحَالَة مُفَارقَته لَهُ بِزَمَان أَو مَكَان أَو عدم أَو وجود، فَثَبت أَن لَهُ وَجها لَا كالوجوه لِأَنَّهُ {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالَاْرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الَاْنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}

٧٤٠٦ - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، حدّثنا حَمَّادٌ عنْ عَمْرٍ وعنْ جابِرٍ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: لمّا نزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الَاْيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} قَالَ النَّبيَّ أعُوذُ

<<  <  ج: ص:  >  >>