مطابقته للتَّرْجَمَة وَإِن لم تذكر فِي الحَدِيث صَرِيحًا استواؤهم فِي الْقِرَاءَة من حَيْثُ اقْتِضَاء الْقِصَّة هَذَا الْقَيْد، لأَنهم أَسْلمُوا وَهَاجرُوا مَعًا، وصحبوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولازموه عشْرين لَيْلَة واستووا فِي الْأَخْذ عَنهُ، فَلم يبْق مِمَّا يقدم بِهِ إلاّ السن. وَقَالَ بَعضهم: هَذِه التَّرْجَمَة منتزعة من حَدِيث أخرجه مُسلم من رِوَايَة أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا: يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله تَعَالَى، فَإِن كَانَت قراءتهم سَوَاء فليؤمهم أقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاء فليؤمهم أكبرهم سنا) . انْتهى. قلت: مَا أبعد هَذَا الْوَجْه لبَيَان التطابق بَين الحَدِيث والترجمة، فَكيف يضع تَرْجَمَة لحَدِيث أخرجه غَيره، وَالْمَطْلُوب من التطابق أَن يكون بَين التَّرْجَمَة وَحَدِيث الْبَاب؟
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، مضى ذكرهم غير مرّة، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة هُوَ عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وَقد مضى حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث هَذَا فِي: بَاب من قَالَ ليؤذن فِي السّفر مُؤذن وَاحِد، أخرجه عَن مُعلى بن أَسد عَن وهيب عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث، قَالَ:(أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر من قومِي) الحَدِيث، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع متعلقات الحَدِيث مُسْتَوفى.
قَوْله:(وَنحن شببة) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا، و: الشببة، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة والباءين الموحدتين: جمع شَاب وَفِي رِوَايَة فِي الْأَدَب: (شببة متقاربون) ، أَي: فِي السن. قَوْله:(نَحوا من عشْرين) ، وَفِي رِوَايَة هُنَاكَ:(عشْرين لَيْلَة) ، بِتَعْيِين الْعشْرين جزما، وَالْمرَاد بأيامها، كَمَا وَقع التَّصْرِيح بِهِ فِي خبر الْوَاحِد من طَرِيق عبد الْوَهَّاب: عَن أَيُّوب. قَوْله:(رحِيما) ، وَفِي رِوَايَة ابْن علية وَعبد الْوَهَّاب:(رحِيما رَقِيقا) . قَوْله:(لَو رجعتم) ، جَوَاب: لَو. قَوْله:(مُرُوهُمْ) ، وَقَوله:(فعلمتوهم) ، عطف على قَوْله:(رجعتم) ، وَيجوز أَن يكون جَوَاب: لَو، محذوفا تَقْدِيره: لَو رجعتم لَكَانَ خيرا لكا إِن ٤ اقال، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَلِك لِأَنَّهُ على مِنْهُم أَنهم اشتأقوا إِلَى أَهْليهمْ وأؤلادهم، وَالدَّلِيل على هَذَا رِوَايَة عبد الْوَهَّاب:(فَظن أَنا اشتقنا إِلَى أَهْلينَا) الحَدِيث. فَقَالَ ذَلِك على طَرِيق الإيناس، لِأَن فِي الْأَمر بِالرُّجُوعِ بِغَيْر هَذَا الْوَجْه تنفيرا، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتحاشى عَن ذَلِك، ثمَّ على تَقْدِير أَن يكون جَوَاب: لَو، محذوفا يكون قَوْله:(مُرُوهُمْ) استئنافا، كَأَن سَائِلًا سَأَلَ: مَاذَا نعلمهُمْ؟ فَقَالَ: مُرُوهُمْ بالطاعات كَذَا وَكَذَا، وَالْأَمر بهَا مُسْتَلْزم للتعليم. قَوْله:(وليؤمكم أكبركم) ، يَعْنِي: بِالسِّنِّ عِنْد التَّسَاوِي فِي شُرُوط الْإِمَامَة، وإلاّ فالأسن إِذا وجد وَكَانَ مِنْهُم من هُوَ أَصْغَر مِنْهُ وَلكنه أَقرَأ قدم الأقرأ، كَمَا فِي حَدِيث عَمْرو بن سَلمَة، وَكَانَ قد أم قومه فِي مَسْجِد عشيرته وَهُوَ صَغِير وَفِيهِمْ الشُّيُوخ والكهول، وَلَكِن قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ تَقْدِيم الأقرأ فِي ذَلِك الزَّمَان لِأَن كَانَ فِي أول الْإِسْلَام حِين كَانَ الْحفاظ قَلِيلا، وَتَقْدِيم عَمْرو كَانَ لذَلِك، أَو نقُول: لَا يكَاد يُوجد قارىء، إِذْ ذَاك إلاّ وَهُوَ فَقِيه، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب أهل الْعلم وَالْفضل أَحَق بِالْإِمَامَةِ.