فِي بَقِيَّة صلَاته حَتَّى يخرج مِنْهَا وَيسلم، ثمَّ يدْخل مَعَهم، فَإِن دخل مَعَهم دون سَلام فَسدتْ صلَاته وَلَزِمَه قَضَاؤُهَا. انْتهى. قلت: الحَدِيث يبين خطأه هُوَ، وَذَلِكَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ابتدا صَلَاة كَانَ أَبُو بكر صلى بَعْضهَا وائتم بِهِ أَصْحَابه فِيهَا، فَكَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مبتدئا وَالْقَوْم متممين.
السَّادِس: فِيهِ فضل أبي بكر على جَمِيع الصَّحَابَة.
السَّابِع: فِيهِ أَن إِقَامَة الصَّلَاة واستدعاء الإِمَام من وَظِيفَة الْمُؤَذّن، وَأَن الْمُؤَذّن هُوَ الَّذِي يُقيم وَهَذَا هُوَ السّنة، فَإِن أَقَامَ غَيره كَانَ خلاف السّنة. قيل: يعْتد بِإِذْنِهِ عِنْد الْجُمْهُور. قلت: وَبِغير إِذْنه أَيْضا يعْتد، وَإِذا أَقَامَ غير الْمُؤَذّن أَيْضا يعْتد عندنَا، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن زيد حِين رأى الْأَذَان: (ألقها على بِلَال فَإِنَّهُ أمد صَوتا مِنْك، وأقم أَنْت) . وَقَوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أذن فَهُوَ يُقيم) ، كَانَ فِي حق زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي، وَكَانَ حَدِيث الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ، وَأمره بِهِ كَيْلا تدخله الوحشة.
الثَّامِن: فِيهِ جَوَاز التَّسْبِيح وَالْحَمْد فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ من ذكر الله تَعَالَى، وَأما إِذا قَالَ: الْحَمد لله، وَأَرَادَ بِهِ الْجَواب اخْتلف الْمَشَايِخ فِي فَسَاد صلَاته. وَفِي (الْمُحِيط) : لَو حمد الله الْعَاطِس فِي نَفسه وَلَا يُحَرك لِسَانه، عَن أبي حنيفَة، لَا تفْسد وَلَو حرك تفْسد. وَفِي (فَتَاوَى العتابي) : لَو قَالَ السَّامع: الْحَمد على رَجَاء الثَّوَاب من غير إِرَادَة الْجَواب لَا تفْسد، وَإِذا فتح على إِمَامه لَا تفْسد، وعَلى غَيره تفْسد. وَقَالَ ابْن قدامَة: قَالَ أَبُو حنيفَة: إِن فتح على الإِمَام بطلت صلَاته قلت: هَذَا غير صَحِيح. وَقَالَ السفاقسي: احْتج بِالْحَدِيثِ جمَاعَة من الحذاق على أبي حنيفَة فِي قَوْله: إِن فتح الرجل لغير إِمَامه لم تجز صلَاته. قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث دلَالَة على هَذَا، وَالَّذِي لَيْسَ فِي صلَاته لَا يدْخل تَحت قَوْله: (من نابه شَيْء فِي صلَاته) ، وَلِأَنَّهُ يكون تَعْلِيما وتلقينا. وَقَالَ السفاقسي: قَالَ مَالك: من أخبر فِي صلَاته بسرور فَحَمدَ الله تَعَالَى لَا تضر صلَاته. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: من أخبر بمصيبة فَاسْتَرْجع، أَو أخبر بِشَيْء فَقَالَ: الْحَمد لله على كل حَال، أَو قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي بنعمته تتمّ الصَّالِحَات، لَا يُعجبنِي، وَصلَاته مجزية. وَقَالَ أَشهب: إلاّ أَن يُرِيد بذلك قطع الصَّلَاة. وَمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا سبح لأعمى خوف أَن يَقع فِي بِئْر أَو دَابَّة أَو فِي حَيَّة إِنَّه جَائِز.
التَّاسِع: فِيهِ جَوَاز الِالْتِفَات للْحَاجة، قَالَه ابْن عبد الْبر، وَجُمْهُور الْفُقَهَاء على أَن الِالْتِفَات لَا يفْسد الصَّلَاة إِذا كَانَ يَسِيرا قلت: هَذَا إِذا كَانَ لحَاجَة، لما روى سهل بن الحنظلية من حَدِيث فِيهِ: (فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَهُوَ يلْتَفت إِلَى الشّعب) . وَقَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ أرسل فَارِسًا إِلَى الشّعب يحرس، وَقَالَ الْحَاكِم: سَنَده صَحِيح، وَأما إِذا كَانَ لَا لحَاجَة فَإِنَّهُ يكره، لما رُوِيَ عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يزَال الله تَعَالَى مُقبلا على العَبْد وَهُوَ فِي صلَاته مَا لم يلْتَفت، فَإِذا الْتفت انْصَرف عَنهُ) . وَعند ابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عَبَّاس: (كَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلْتَفت يَمِينا وَشمَالًا وَلَا يلوي عُنُقه خلف ظَهره) . وَعند التِّرْمِذِيّ، واستغر بِهِ: (يلحظني يَمِينا وَشمَالًا) . وَقَالَ ابْن الْقطَّان: صَحِيح، وَعند ابْن خُزَيْمَة عَن عَليّ بن شَيبَان، وَكَانَ أحد الْوَفْد قَالَ: (صليت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلمح بمؤخر عَيْنَيْهِ إِلَى رجل لَا يُقيم صلبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود) . وَعَن جَابر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ شَاك، فصلينا وَرَاءه قعُودا فَالْتَفت إِلَيْنَا فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد: لَا صَلَاة لملتفت قلت: ضعفه ابْن الْقطَّان وَغَيره.
الْعَاشِر: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز اسْتِخْلَاف الإِمَام إِذا أَصَابَهُ مَا يُوجب ذَلِك، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحد قولي الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَالْحسن وعلقمة وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري، وَعَن الشَّافِعِي وَأهل الظَّاهِر: لَا يسْتَخْلف الإِمَام.
الْحَادِي عشر: فِيهِ جَوَاز شقّ الصُّفُوف وَالْمَشْي بَين الْمُصَلِّين لقصد الْوُصُول إِلَى الصَّفّ الأول، لَكِن هَذَا فِي حق الإِمَام وَيكرهُ فِي حق غَيره.
الثَّانِي عشر: فِيهِ جَوَاز إِمَامَة الْمَفْضُول للفاضل.
الثَّالِث عشر: فِيهِ سُؤال الرئيس عَن سَبَب مُخَالفَة أمره قبل الزّجر عَن ذَلِك.
الرَّابِع عشر: فِيهِ إكرام الْكَبِير بمخاطبته بالكنية.
الْخَامِس عشر: فِيهِ أَن الْعَمَل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا، لتأخر أبي بكر عَن مقَامه إِلَى الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ.
السَّادِس عشر: فِيهِ تَقْدِيم الْأَصْلَح وَالْأَفْضَل.
السَّابِع عشر: فِيهِ تَقْدِيم غير الإِمَام إِذا تَأَخّر، وَلم يخف فتْنَة وَلَا إِنْكَار من الإِمَام.
الثَّامِن عشر: قيل فِيهِ تَفْضِيل الصَّلَاة فِي أول الْوَقْت. قلت: إِنَّمَا صلوا فِي أول الْوَقْت ظنا مِنْهُم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يَأْتِيهم فِي الْوَقْت وَالْجَمَاعَة كَانُوا حاضرين، وَفِي تأخيرهم كَانَ تشويش لَهُم من جِهَة أَن فيهم من كَانَ ذَا حَاجَة وَذَا ضعف وَنَحْو ذَلِك.
التَّاسِع عشر: فِيهِ أَن رفع الْيَد فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا.
الْعشْرُونَ: فِيهِ أَن الْمُصَلِّي إِذا نابه شَيْء فليسبح، أَي فَلْيقل: سُبْحَانَ الله. وَعَن مَالك: الْمَرْأَة تسبح كَالرّجلِ لِأَن كلمة: من، فِي الحَدِيث تقع على الذُّكُور وَالْإِنَاث. قَالَ: و: التصفيق