للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَانَ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة قَائِما ثمَّ يقْعد ثمَّ يقوم ثمَّ يخْطب) ، اللَّفْظ لِأَحْمَد وَأبي يعلى. قَوْله: (ثمَّ يقْعد) أَي: بعد الْخطْبَة الأولى ثمَّ يقوم للخطبة الثَّانِيَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْإِخْبَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه كَانَ يخْطب قَائِما. قَالَ شَيخنَا فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : فِي اشْتِرَاط الْقيام فِي الْخطْبَتَيْنِ إلاّ عِنْد الْعَجز، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة. انْتهى. قلت: لَا يدل الحَدِيث على الِاشْتِرَاط، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه يدل على السّنيَّة. وَفِي (التَّوْضِيح) : الْقيام للقادر شَرط لصحتها، وَكَذَا الْجُلُوس بَينهمَا عِنْد الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَصْحَابه. فَإِن عجز عَنهُ اسْتخْلف، فَإِن خطب قَاعِدا أَو مُضْطَجعا للعجز جَازَ قطعا كَالصَّلَاةِ، وَيصِح الِاقْتِدَاء بِهِ حِينَئِذٍ، وَعِنْدنَا وَجه: أَنَّهَا تصح قَاعِدا للقادر، وَهُوَ شَاذ، نعم هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيّ عَنْهُم، قاسوه على الْأَذَان. وَحكى ابْن بطال عَن مَالك كالشافعي، وَعَن ابْن الْقصار كَأبي حنيفَة، وَنقل ابْن التِّين عَن القَاضِي أبي مُحَمَّد أَنه مسيىء، وَلَا يبطل حجَّة الشَّافِعِي حَدِيث الْبَاب. قلت: حَدِيث الْبَاب لَا يدل على الِاشْتِرَاط، وَاسْتدلَّ بَعضهم للشَّافِعِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِمَا فِي (صَحِيح مُسلم) : (أَن كَعْب بن عجْرَة دخل الْمَسْجِد وَعبد الرَّحْمَن بن أبي الحكم يخْطب قَاعِدا، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَطِيب يخْطب قَاعِدا، وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَرَكُوك قَائِما} (الْجُمُعَة: ١١) . وَفِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) : (قَالَ كَعْب: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ إِمَام يؤم الْمُسلمين يخْطب وَهُوَ جَالس، يَقُول ذَلِك مرَّتَيْنِ) . وَأجِيب: عَنهُ بِأَن إِنْكَار كَعْب عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ لتَركه السّنة، وَلَو كَانَ الْقيام شرطا لما صلوا مَعَه مَعَ ترك الْفَرْض. فَإِن قلت: روى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة سماك بن حَرْب عَن جَابر ابْن سَمُرَة قَالَ: (كَانَت للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خطبتان يجلس بَينهمَا يقْرَأ الْقُرْآن وَيذكر النَّاس) وَفِي رِوَايَة: (كَانَ يخْطب قَائِما ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم فيخطب قَائِما، فَمن نبأك أَنه كَانَ يخْطب جَالِسا فقد كذب، فقد وَالله صليت مَعَه أَكثر من ألفي صَلَاة) . قلت: هَذَا مَحْمُول على الْمُبَالغَة، لِأَن هَذَا الْقدر من الْجمع إِنَّمَا يكمل فِي نَيف وَأَرْبَعين سنة، وَهَذَا الْقدر لم يصله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت: قَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد الصَّلَوَات الْخمس لَا الْجمع، لِأَنَّهُ غير مُمكن. قلت: سِيَاق الْكَلَام يُنَافِي هَذَا التَّأْوِيل، لِأَن الْكَلَام فِي الْجمع لَا فِي الصَّلَوَات الْخمس، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا ذكره ابْن أبي شيبَة عَن طَاوُوس، قَالَ: (خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان قيَاما، وَأول من جلس على الْمِنْبَر مُعَاوِيَة، قَالَ الشّعبِيّ: حِين كثر شَحم بَطْنه ولحمه) . وَرَوَاهُ ابْن حزم عَن على، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا، وَالْجَوَاب عَنهُ وَعَن كل حَدِيث ورد فِيهِ الْقيام فِي خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن قَوْله: {وَتَرَكُوك قَائِما} (الْجُمُعَة: ١١) . بِأَن ذَلِك إِخْبَار عَن حَالَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عِنْد انقضاضهم، وَبِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يواظب على الشَّيْء الْفَاضِل مَعَ جَوَاز غَيره، وَنحن نقُول بِهِ، وَمن أقوى الْحجَج لِأَصْحَابِنَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ (عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلس ذَات يَوْم على الْمِنْبَر وَجَلَسْنَا حوله) ، على مَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَحَدِيث سهل: (مري غلامك يعْمل لي أعوادا أَجْلِس عَلَيْهِنَّ إِذا كلمت النَّاس) .

٢٨ - (بابُ يَسْتَقْبِلُ الإمامُ القومَ وَاسْتِقْبَالِ النَّاسِ الإمَامَ إِذا خَطَبَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِقْبَال النَّاس الإِمَام، والاستقبال مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله، وَالْإِمَام بِالنّصب مفعول لَهُ، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: بَاب يسْتَقْبل الإِمَام الْقَوْم واستقبال النَّاس الإِمَام إِذا خطب.

وَاسْتَقْبَلَ ابنُ عُمَرَ وَأنسٌ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الإمَامَ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، أما أثر عبد الله بن عمر فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم، قَالَ: ذكرت اللَّيْث بن سعد فَأَخْبرنِي عَن ابْن عجلَان عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ يفرغ من سبحته يَوْم الْجُمُعَة قبل خُرُوج الإِمَام، فَإِذا خرج لم يقْعد الإِمَام حَتَّى يستقبله، وَأما أثر أنس بن مَالك فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عبد الصَّمد (عَن المستمر بن رَيَّان، قَالَ: رَأَيْت أنسا إِذا أَخذ الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة فِي الْخطْبَة يستقبله بِوَجْهِهِ حَتَّى يفرغ الإِمَام من خطبَته) . وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر من وَجه آخر: (عَن أنس أَنه جَاءَ يَوْم الْجُمُعَة فاستند إِلَى الْحَائِط واستقبل الإِمَام) . قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَلَا أعلم فِي ذَلِك خلافًا بَين الْعلمَاء، وَحكى غَيره: (عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كَانَ لَا يسْتَقْبل هِشَام بن إِسْمَاعِيل إِذا خطب، فَوكل بِهِ هِشَام شرطيا يعطفه إِلَيْهِ) . وَهِشَام هَذَا هُوَ هِشَام بن إِسْمَاعِيل بن الْوَلِيد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>