للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُمْتَنع (قلت) لَا امْتنَاع فِيهِ عِنْد الشَّافِعِي وَأما عِنْد غَيره فبعموم الْمجَاز وَهُوَ أَن يحمل الْكَلَام على معنى مجازي يتَنَاوَل الْحَقِيقَة وَهَذَا يُسمى عُمُوم الْمجَاز وَلَا نزاع فِي جَوَاز اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي معنى مجازي يكون الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ من أَفْرَاده كاستعمال الدَّابَّة عرفا فِيمَا يدب على الأَرْض وَمِثَال ذَلِك فِيمَن أوصى لأبناء زيد مثلا وَله أَبنَاء وَأَبْنَاء أَبنَاء يسْتَحق الْجَمِيع عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد عملا بِعُمُوم الْمجَاز حَيْثُ يُطلق الْأَبْنَاء على الْفَرِيقَيْنِ قَوْله " بنى الله لَهُ " إِسْنَاد الْبناء إِلَى الله مجَازًا اتِّفَاقًا قطعا (فَإِن قلت) إِظْهَار الْفَاعِل فِيهِ لماذا (قلت) لِأَن فِي تكْرَار اسْمه تَعْظِيمًا وتلذذا للذاكر قَالَ الشَّاعِر

(أعد ذكر نعْمَان لنا أَن ذكره ... هُوَ الْمسك مَا كررته يتضوع)

وَقَالَ بَعضهم لِئَلَّا تتنافر الضمائر أَو يتَوَهَّم عوده على باني الْمَسْجِد (قلت) كلا الْوَجْهَيْنِ غير صَحِيح أما الأول فَلِأَن التنافر إِنَّمَا يكون إِذا كَانَت الضمائر كَثِيرَة وَأما الثَّانِي فَمَمْنُوع قطعا للقرينة الحالية والمقالية قَوْله " مثله " مَنْصُوب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي بِنَاء مثله والمثل فِي اللُّغَة الشّبَه يُقَال هَذَا الشَّيْء مثل هَذَا أَي شبهه قَالَ الْجَوْهَرِي مثل كلمة تَسْوِيَة يُقَال هَذَا مثله وَمثله كَمَا تَقول شبهه وَشبهه وَعند أهل الْمَعْقُول الْمُمَاثلَة بَين الشَّيْئَيْنِ هُوَ الِاتِّحَاد فِي النَّوْع كاتحاد زيد وَعَمْرو فِي الإنسانية وَإِذا كَانَ فِي الْجِنْس يُسمى مجانسة كاتحاد الْإِنْسَان مَعَ الْفرس فِي الحيوانية وَقد اخْتلفُوا فِي المُرَاد بالمثلية هَهُنَا فَقَالَ قوم مِنْهُم ابْن الْعَرَبِيّ يَعْنِي مثله فِي الْمِقْدَار والمساحة (قلت) يرد هَذَا حَدِيث عبد الله بن عَمْرو " بَيْتا أوسع مِنْهُ " وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أَسمَاء وَأبي أُمَامَة على مَا ذَكرنَاهَا وَقَالَ قوم مثله فِي الْجَوْدَة والحصانة وَطول الْبَقَاء (قلت) هَذَا لَيْسَ بِشَيْء على مَا لَا يخفى مَعَ أَنه ورد فِي حَدِيث وَاثِلَة عِنْد أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ " بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة أفضل مِنْهُ " وَقَالَ صَاحب الْمُفْهم هَذِه المثلية لَيست على ظَاهرهَا وَإِنَّمَا يعْنى أَنه يَبْنِي لَهُ بثوابه بَيْتا أشرف وَأعظم وَأَرْفَع وَقَالَ النَّوَوِيّ يحْتَمل قَوْله " مثله " أَمريْن أَحدهمَا أَن يكون مَعْنَاهُ بنى الله لَهُ مثله فِي مُسَمّى الْبَيْت وَأما صفته فِي السعَة وَغَيرهَا فمعلوم فَضلهَا فَإِنَّهَا مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر وَالثَّانِي أَن مَعْنَاهُ أَن فَضله على بيُوت الْجنَّة كفضل الْمَسْجِد على بيُوت الدُّنْيَا (قلت) الْوَجْه الثَّانِي لَا يَخْلُو عَن بعد وَقَالَ بعض شرَّاح التِّرْمِذِيّ وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ أَن يُنَبه بقوله " مثله " على الحض على الْمُبَالغَة فِي إِرَادَة الِانْتِفَاع بِهِ فِي الدُّنْيَا فِي كَونه ينفع الْمُصَلِّين ويكنهم عَن الْحر وَالْبرد وَيكون فِي مَكَان يحْتَاج إِلَيْهِ وَيكثر الِانْتِفَاع بِهِ ليقابل الِانْتِفَاع بِهِ فِي الدُّنْيَا انتفاعه هُوَ بِمَا يبْنى لَهُ فِي الْجنَّة. وَقَالَ صَاحب الْمُفْهم وَهَذَا الْبَيْت وَالله أعلم مثل بَيت خَدِيجَة الَّذِي بشرت بِهِ بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب يُرِيد من قصب الزمرد والياقوت (قلت) قد ذكرنَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة من (١) عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان " بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة من در (٢) وَيَاقُوت " (فَإِن قلت) قَالَ الله تَعَالَى {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} فَمَا معنى التَّقْيِيد بِمثلِهِ (قلت) أجابوا عَن هَذَا بأجوبة. الأول مَا قَالَه بَعضهم أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَه قبل نزُول هَذِه الْآيَة (قلت) هَذَا بعيد وَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا بالتاريخ. الثَّانِي أَن المثلية إِنَّمَا هِيَ بِحَسب الكمية وَالزِّيَادَة بِحَسب الْكَيْفِيَّة (قلت) المثلية بِحَسب الكمية تسمى مُسَاوَاة كاتحاد مِقْدَار مَعَ آخر فِي الْقدر وَفِي الْكَيْفِيَّة تسمى مشابهة. الثَّالِث أَن التَّقْيِيد بِهِ لَا يَنْفِي الزِّيَادَة واستبعده بَعضهم وَلَيْسَ بِبَعِيد. الرَّابِع أَن الْمَقْصُود مِنْهُ بَيَان الْمُمَاثلَة فِي أَن أَجزَاء هَذِه الْحَسَنَة من جنس الْعَمَل لَا من غَيره وَعِنْدِي جَوَاب فتح لي بِهِ من الْأَنْوَار الالهية وَهُوَ أَن المجازاة بِالْمثلِ عدل مِنْهُ وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ بِحَسب الْكَيْفِيَّة والكمية فضل مِنْهُ قَوْله " فِي الْجنَّة " قَالَ بَعضهم هُوَ مُتَعَلق ببنى أَو هُوَ حَال من قَوْله مثله (قلت) لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلق بِمَحْذُوف وَقع صفة لمثله وَالتَّقْدِير بنى الله لَهُ مثله كَائِنا فِي الْجنَّة وَكَيف يكون حَالا من مثله وَشرط الْحَال أَن يكون من معرفَة كَمَا عرف فِي مَوْضِعه وَلَفظ مثل لَا يتعرف وَإِن أضيف

٦٦ - (بابٌ يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ فِي المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الشَّخْص يَأْخُذ بنصول السِّهَام إِذا مر فِي مَسْجِد من الْمَسَاجِد، وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا لِئَلَّا يَقع لفظ: بَاب ضائعاً، وَأَيْضًا فِيهِ بَيَان أَن الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: يَأْخُذ، يرجع إِلَى هَذَا الْمُقدر، لِئَلَّا يكون إضماراً قبل الذّكر، وليلتئم التَّرْكِيب، وَلم: أر أحدا من الشُّرَّاح يذكر شَيْئا فِي مثل هَذِه الْمَوَاضِع، مَعَ أَن فيهم من يَدعِي دعاوي عريضة فِي هَذَا الْبَاب

<<  <  ج: ص:  >  >>