فَإِنَّهُ شَرط بَاطِل لِأَنَّهُ قد سبق بَيَان ذَلِك لَهُم وَلَيْسَ لفظ: اشترطي، هُنَا للْإِبَاحَة، وَقد تكلمنا فِي هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب ذكر البيع وَالشِّرَاء على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد، فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة، واستقصينا الْكَلَام فِيهِ.
٢٦ - (بابٌ إِذا تَحَوَّلَتِ الصَّدَقَةُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا تحولت الصَّدَقَة يَعْنِي: إِذا خرجت من كَونهَا صَدَقَة بِأَن دخلت فِي ملك الْمُتَصَدّق بِهِ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: إِذا حولت الصَّدَقَة، على بِنَاء الْمَجْهُول، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: إِذا حولت الصَّدَقَة يجوز للهاشمي تنَاولهَا.
٤٩٤١ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا خالدٌ عنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عنْ أم عَطِيَّةَ الأنْصَارِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ دَخَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فقالَ هَل عنْدَكُمْ شَيْءٌ فقَالَتْ لَا ألَاّ شَيءٌ بَعَثَتْ بِهِ إلَيْنَا نُسَيْبَةُ مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثَتْ بِهَا مِنَ الصَّدَقةِ فَقَالَ إنَّها قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا.
(انْظُر الحَدِيث ٦٤٤١ وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن نسيبة أرسل إِلَى عَائِشَة من الشَّاة الَّتِي أرسلها إِلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّدَقَة، فَلَمَّا قبلتها نسيبة دخلت فِي ملكهَا وَخرجت من كَونهَا صَدَقَة، فَهَذَا معنى التَّحَوُّل، كَمَا ذكرنَا.
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع، مصغر زرع ضد الجدب، وَقد مر فِي: بَاب الْجنب يخرج. الثالت: خَالِد الْحذاء. الرَّابِع: حَفْصَة بنت سِيرِين أُخْت مُحَمَّد بن سِيرِين سيدة التابعيات. الْخَامِس: أم عَطِيَّة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَاسْمهَا: نسيبة، بِضَم النُّون وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر ذكرهَا غير مرّة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون. وَفِيه: رِوَايَة التابعية عَن الصحابية. وَفِيه: رِوَايَة الحَدِيث لصحابية مَذْكُورَة بكنيتها.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن أَحْمد بن يُونُس عَن أبي شهَاب الحناط، وَفِي الْهِبَة عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن خَالِد بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن إِسْمَاعِيل بن علية عَن خَالِد الْحذاء.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (هَل عنْدكُمْ شَيْء) أَي: من الطَّعَام. قَوْله: (فَقَالَت: لَا) أَي: لَا شَيْء. (إلَاّ شَيْء) ، والمستثنى مِنْهُ مَحْذُوف وَهُوَ اسْم: لَا، الَّتِي لنفي الْجِنْس، أَي: لَا شَيْء من الطَّعَام إلَاّ شَيْء كَذَا. قَوْله: (بعثت بِهِ نسيبة) ، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل صفة لقَوْله: شَيْء، وَكلمَة: من، فِي: من الشَّاة، للْبَيَان مَعَ الدّلَالَة على التَّبْعِيض. قَوْله: (بعثت بهَا) على صِيغَة الْمُخَاطب أَي: الَّتِي بعثت بهَا أَنْت إِلَيْهَا قَوْله: (إِنَّهَا) أَي: إِن الصَّدَقَة (قد بلغت محلهَا) ، بِكَسْر الْحَاء من حل إِذا وَجب، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . أَي: مَكَانَهُ الَّذِي يجب فِيهِ نَحوه، وَقَالَ التَّيْمِيّ: بلغت محلهَا، أَي: حَيْثُ يحل أكلهَا فَهُوَ مفعل من حل الشَّيْء حَلَالا، وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى أم عَطِيَّة شَاة من الصَّدَقَة فَبعثت هِيَ من تِلْكَ الشَّاة إِلَى عَائِشَة هَدِيَّة، وَهَذَا معنى قَول البُخَارِيّ: إِذا تحولت الصَّدَقَة، إِذْ كَانَت عَلَيْهَا صَدَقَة ثمَّ صَارَت هَدِيَّة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: دلَالَة كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيّ على جَوَاز اسْتِعْمَال الْهَاشِمِي، وَيَأْخُذ جعله على ذَلِك وَقد كَانَ أَبُو يُوسُف يكره ذَلِك إِذا كَانَت جعالتهم مِنْهَا، قَالَ: لِأَن الصَّدَقَة تخرج من ملك الْمُتَصَدّق إِلَى غير الْأَصْنَاف الَّتِي سَمَّاهَا الله تَعَالَى فَيملك الْمُتَصَدّق بَعْضهَا وَهِي لَا تحل لَهُ، وَاحْتج بِحَدِيث أبي رَافع فِي ذَلِك، وَخَالفهُ فِيهِ آخَرُونَ، فَقَالُوا: لَا بَأْس أَن يَجْعَل مِنْهَا للهاشمي لِأَنَّهُ يَجْعَل على عمله، وَذَلِكَ قد يحل للأغنياء، فَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يحرم على الْأَغْنِيَاء الَّذين يحرم عَلَيْهِم غناؤهم الصَّدَقَة، كَانَ ذَلِك أَيْضا فِي النّظر لَا يحرم ذَلِك على بني هَاشم الَّذين يحرم عَلَيْهِم نسبهم الصَّدَقَة، فَلَمَّا كَانَ مَا تصدق بِهِ على بَرِيرَة جَازَ للشارع أكله لِأَنَّهُ إِنَّمَا أكله بالهدية فَجَاز أَيْضا للهاشمي أَن يجتعل من الصَّدَقَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا يملكهَا بِعَمَلِهِ لَا بِالصَّدَقَةِ، هَذَا هُوَ النّظر عندنَا، وَهُوَ أصح مِمَّا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف. قلت: أَرَادَ الطَّحَاوِيّ بقوله: آخَرُونَ، مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَأحمد فِي رِوَايَة