للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعراض إِن لم يصبهُ بحده فَلَا يحل أكله. الثَّالِث: أَن قتل الْكَلْب الْمعلم ذَكَاة فَإِذا أكل فَلَيْسَ بمعلم، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ ومذهبهما أَن تَعْلِيمه أَن لَا يَأْكُل وَهُوَ شَرط عِنْدهمَا وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذر وَدَاوُد، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول ضَعِيف وَمَالك: لَيْسَ بِشَرْط، وَهُوَ قَول سلمَان الْفَارِسِي وَسعد بن أبي وَقاص وَعلي وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمن التَّابِعين قَول سعيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار وَالْحسن وَالزهْرِيّ، وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم} (الْمَائِدَة: ٤) وَإنَّهُ ذَكَاة يستباح بهَا الصَّيْد فَلَا يفْسد بِأَكْلِهِ مِنْهُ وَحجَّة الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة. قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِن أكل فَلَا تَأْكُل) فَإِنَّهُ لم يمسك عَلَيْك إِنَّمَا أمسك على نَفسه، على مَا يَأْتِي عَن قريب فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب. فَإِن قلت: قَالَ القَاضِي فِي حَدِيث عدي خلاف يَعْنِي: فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي، وَهُوَ أَن قَوْله: فَإِنَّهُ لم يمسك عَلَيْك إِلَى آخِره، ذكره الشّعبِيّ وَلم يذكرهُ هِشَام وَابْن أبي مطر وَأَيْضًا هُوَ معَارض بِمَا رُوِيَ أَبُو ثَعْلَبَة الخشنى أَنه قَالَ لَهُ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل وَأَن أكل مِنْهُ، أخرجه أَبُو دَاوُد وَسكت وَلم يُضعفهُ. قلت: فِي إِسْنَاده دَاوُد بن عَمْرو الدِّمَشْقِي، قَالَ ابْن حزم: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، وَدَاوُد هَذَا ضَعِيف ضعفه أَحْمد وَقد ذكر بِالْكَذِبِ فَإِن قلت: دَاوُد بن عَمْرو الْمَذْكُور وَثَّقَهُ يحيى بن معِين، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ ابْن عدي: لَا أرى بروايته بَأْسا، وَقَالَ أَبُو دَاوُد صَالح: وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات. قلت: وَإِن سلمنَا هَذَا فَهُوَ لَا يُقَاوم الَّذِي فِي (الصَّحِيح) وَلَا يُقَارِبه، وَقيل: حَدِيث أبي ثَعْلَبَة مَحْمُول على مَا إِذا أكل مِنْهُ بعد أَن قَتله وخلاه وفارقه ثمَّ عَاد فَأكل مِنْهُ فَهَذَا لَا يضر، وَمِنْهُم من حمله على الْجَوَاز وَحَدِيث عدي على التَّنْزِيه لِأَنَّهُ كَانَ موسعا عَلَيْهِ فأفتاه بالكف تورعا وَأَبُو ثَعْلَبَة كَانَ مُحْتَاجا فأفتاه بِالْجَوَازِ.

الرَّابِع: اشْتِرَاط التَّسْمِيَة لِأَنَّهُ علل بقوله: فَإِنَّمَا ذكرت اسْم الله على كلبك وَلم تذكره على غَيره، وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي التَّسْمِيَة على الصَّيْد والذبيحة فَروِيَ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَنَافِع مولى عبد الله وَالشعْبِيّ: أَنَّهَا فَرِيضَة فَمن تَركهَا عَامِدًا أَو سَاهِيا لم يُؤْكَل مَا ذبحه وَهُوَ قَول أبي ثَوْر والظاهرية وَذهب مَالك وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة، وأصحابهم إِلَى أَنه إِن تَركهَا عَامِدًا لم يُؤْكَل، وَأَن تَركهَا سَاهِيا أكلت. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَابْن الْمسيب وَالْحسن بن صَالح وطاووس وَعَطَاء وَالْحسن بن أبي الْحسن النَّخعِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وجعفر بن مُحَمَّد وَالْحكم وَرَبِيعَة وَأحمد وَإِسْحَاق وَرَوَاهُ فِي (المُصَنّف) عَن الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَفِي (المغنى) وَعَن أَحْمد رِوَايَة وَهُوَ الْمَذْهَب أَنَّهَا شَرط إِن تَركهَا عمدا أَو سَهوا فَهِيَ ميتَة وَفِي رِوَايَة إِن تَركهَا على إرْسَال السهْم نَاسِيا أكل، وَإِن تَركهَا على الْكَلْب أَو الفهد لم يُؤْكَل. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُؤْكَل الصَّيْد والذبيحة فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا تعمد ذَلِك أَو نَسيَه، رُوِيَ ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء.

٢ - (بَابُ: {صَيْدِ المِعْرَاضِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صيد المعراض، وَقد مر تَفْسِير المعراض عَن قريب.

{وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي المَقْتُولَةِ بِالبُنْدُقَةِ: تِلْكَ المَوْقُوذَةُ}

قيل: لَا وَجه لذكر أثر ابْن عمر وَلَا للآثار الَّتِي بعده فِي هَذَا الْبَاب قلت: فِيهِ وَجه حسن وَهُوَ أَن المقتولة بالبندقة موقوذة، كَمَا أَن مقتولة المعراض بِغَيْر حَده موقوذة فَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ فِي الْمُطَابقَة وَتَعْلِيق ابْن عمر وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن عَامر الْعَقدي عَن زُهَيْر هُوَ ابْن مُحَمَّد عَن زيد بن أسلم عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَقُول: المقتولة بالبندقة تِلْكَ الموقوذة.

{وَكَرِهَهُ سَائِمٌ وَالقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَإبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالحَسَنُ. وَكَرِهَ الحَسَنُ رَمِي البنْدُقَةِ فِي القُرَى وَالأمْصَارِ، وَلا يَرَى بِهِ بَأسا فِيما سِوَاهُ.

أَي: كره سَالم بن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أكل مقتولة البندقة، وَكَذَلِكَ كرهه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمُجاهد بن جبر وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ، أما أثر سَالم وَالقَاسِم فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن الثَّقَفِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا كَانَا يكرهان البندقة إلَاّ مَا أدْركْت ذَكَاته وَأما أثر مُجَاهِد فاخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد أَنه كرهه، وَأما أثر إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فاخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن حَفْص عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم: لَا تَأْكُل مَا أصبت بالبندقية إلَاّ أَن تذكي.

<<  <  ج: ص:  >  >>