للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكره أَن يعْصى الله تَعَالَى، وَأبي أَن يَأْكُل) . وَفِي مُرْسل مُحَمَّد بن يحيى، فَقَالَ: (إِنِّي قد نمت، فَقَالَت لَهُ: لم تنم فَأبى فَأصْبح جائعا مجهودا) . قَوْله: (فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَزَاد فِي رِوَايَة زَكَرِيَّاء عِنْد أبي الشَّيْخ: (وأتى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، امْرَأَته وَقد نَامَتْ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . قَوْله: (فَنزلت هَذِه الْآيَة) وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَينهمَا وَبَين حِكَايَة قيس؟ قلت: لما صَار الرَّفَث حَلَالا فالأكل وَالشرب بِالطَّرِيقِ الأولى، وَحَيْثُ كَانَ حلهما بِالْمَفْهُومِ نزلت بعده: {كلوا وَاشْرَبُوا} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . ليعلم بالمنطوق تَصْرِيحًا بتسهيل الْأَمر عَلَيْهِم، ودفعا لجنس الضَّرَر الَّذِي وَقع لقيس وَنَحْوه، أَو المُرَاد بِالْآيَةِ: هِيَ بِتَمَامِهَا إِلَى آخِره، حَتَّى يتَنَاوَل: كلوا وَاشْرَبُوا، فالغرض من ذكر نزلت ثَانِيًا هُوَ بَيَان نزُول لفظ {من الْفجْر} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . بعد ذَلِك. انْتهى. قلت: اعْتمد السُّهيْلي على الْجَواب الثَّانِي، وَقَالَ: إِن الْآيَة نزلت بِتَمَامِهَا فِي الْأَمريْنِ مَعًا، وَقدم مَا يتَعَلَّق بعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لفضله. قَوْله: (فَفَرِحُوا بهَا) ، أَي: بِالْآيَةِ وَهِي قَوْله: {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَنزلت {أحل لكم لَيْلَة الصّيام} إِلَى قَوْله: {من الْفجْر} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . فَهَذَا يبين أَن مَحل قَوْله: (فَفَرِحُوا بهَا) بعد قَوْله: {الْخَيط الْأسود} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . وَوَقع ذَلِك صَرِيحًا فِي رِوَايَة زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة، وَلَفظ: (فَنزلت {أحل لكم} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . إِلَى قَوْله: {من الْفجْر} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . ففرح الْمُسلمُونَ بذلك.

٦١ - (بابُ قَوْلِ الله تعَالى: {وكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} (الْبَقَرَة: ٧٨١)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الله عز وَجل مُخَاطبا للْمُسلمين بقوله: {وكلوا وَاشْرَبُوا} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . بعد أَن كَانُوا ممنوعين مِنْهُمَا بعد النّوم، وَبَين فِيهِ غَايَة وَقت الْأكل بقوله: {حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . وَالْمرَاد بالخيط الْأَبْيَض أول مَا يَبْدُو من الْفجْر الْمُعْتَرض فِي الْأُفق كالخيط الْمَمْدُود، وَالْخَيْط الْأسود مَا يَمْتَد مَعَه من غبش اللَّيْل شبها بخيطين أَبيض وأسود. وَقَوله: {من الْفجْر} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . بَيَان للخيط الإبيض وَاكْتفى بِهِ عَن بَيَان الْخَيط الْأسود، لِأَن بَيَان أَحدهمَا بَيَان للثَّانِي، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَيجوز أَن تكون من للتَّبْعِيض لِأَنَّهُ بعض الْفجْر، وَقَالَ: وَقَوله: {من الْفجْر} أخرجه من بَاب الِاسْتِعَارَة، كَمَا أَن قَوْلك رَأَيْت أسدا مجَاز، فَإِذا زِدْت من فلَان، رَجَعَ تَشْبِيها. انْتهى. وَلما نزل قَوْله: {كلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . أَولا وَلم ينزل: {من الْفجْر} كَانَ رجال إِذا أَرَادوا الصَّوْم ربط أحدهم فِي رجلَيْهِ الْخَيط الْأَبْيَض وَالْخَيْط الْأسود، فَلَا يزَال يَأْكُل وَيشْرب وَيَأْتِي أَهله حَتَّى يظْهر لَهُ الْخيطَان، ثمَّ لما نزل قَوْله: {من الْفجْر} علمُوا أَن المُرَاد من الْخَيْطَيْنِ اللَّيْل وَالنَّهَار، فالأسود سَواد اللَّيْل والأبيض بَيَاض الْفجْر، كَمَا يَأْتِي الْآن بَيَانه فِي حَدِيث الْبَاب. قَوْله: {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} (الْبَقَرَة: ٧٨١) . أَي: من بعد انْشِقَاق الْفجْر الصَّادِق كفوا عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع إِلَى أَن يَأْتِي اللَّيْل، وَهُوَ غرُوب الشَّمْس، قَالُوا: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز النبية بِالنَّهَارِ فِي صَوْم رَمَضَان، وعَلى جَوَاز تَأْخِير الْغسْل إِلَى الْفجْر، وعَلى نفي صَوْم الْوِصَال.

فيهِ الْبَرَاءُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث رَوَاهُ الْبَراء بن عَازِب الصَّحَابِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي فِيمَا يتَعَلَّق بِهَذَا الْبَاب حَدِيث رَوَاهُ الْبَراء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَكِن لما لم يكن على شَرط البُخَارِيّ لم يذكرهُ فِيهِ. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل أَشَارَ بِهِ إِلَى الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مَوْصُولا عَن الْبَراء الَّذِي سبق ذكره فِي الْبَاب الَّذِي قبله.

٦١٩١ - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ قَالَ حدَّثنا هُشَيْمٌ قَالَ أخبرَنِي حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَن الشَّعْبِيِّ عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يتبَيَّنَ لَكُمْ الخَيْطُ الأبْيضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ عَمَدْتُ إلَى عِقَالٍ أسْوَدَ وإلَى عِقالٍ أبْيَضَ فجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فجَعَلْتُ أنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فغَدَوْتُ عَلى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذكَرْتُ لَهُ ذالِكَ فَقَالَ إنَّمَا ذَلِكَ سَوادُ اللَّيْلِ وبيَاضُ النَّهار.

<<  <  ج: ص:  >  >>