ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبد الله بن إِدْرِيس. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد عَن حُصَيْن بن نمير، وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن منيع عَن هشيم، وَقَالَ: حسن صَحِيح.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن عدي بن حَاتِم) ، فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: أَخْبرنِي عدي بن حَاتِم) ، وَكَذَا أخرجه ابْن خُزَيْمَة عَن أَحْمد بن منيع، وَكَذَا أوردهُ أَبُو عوَانَة من طَرِيق أبي عبيد عَن هشيم عَن حُصَيْن. قَوْله:(عَمَدت) ، أَي: قصدت من عمد يعمد عمدا إِذا قصد، وَهُوَ من بَاب: ضرب يضْرب، وَأما عَمَدت الشَّيْء فانعمد فَمَعْنَاه: أقمته، فَالْأول بِاللَّامِ وَإِلَى؛ وَالثَّانِي بدونهما. قَوْله:(إِلَى عقال) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وبالقاف، وَهُوَ الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير، وَالْجمع: عُقل، وَفِي رِوَايَة مجَالد:(فَأخذت خيطين من شعر) . قَوْله:(فَلَا يستبين لي) ، أَي: فَلَا يظْهر لي، وَفِي رِوَايَة مجَالد:(فَلَا أستبين الْأَبْيَض من الْأسود) . قَوْله:(وِسَادَتِي) ، الوساد والوسادة المخدة، وَالْجمع: وسائد ووسد. قَوْله:(إِنَّمَا ذَلِك) إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من قَوْله: {حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود}(الْبَقَرَة: ٧٨١) . وَرِوَايَة البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير، قَالَ:(أَخذ عدي عقَالًا أَبيض وَعِقَالًا أسود حَتَّى إِذا كَانَ بعض اللَّيْل نظر فَلم يَسْتَبِينَا، فَلَمَّا أصبح قَالَ: يَا رَسُول الله {جعلت تَحت وِسَادَتِي. . قَالَ: إِن وِسَادَتك إِذا لَعَرِيض) . وَفِي رِوَايَة:(قلت: يَا رَسُول الله} مَا الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود؟ أَهما الْخيطَان؟ قَالَ: إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا، إِن أَبْصرت الْخَيْطَيْنِ، ثمَّ قَالَ: لَا بل هُوَ سَواد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار) . وَفِي رِوَايَة مُسلم:(قَالَ: يَا رَسُول الله! إِنَّنِي جعلت تَحت وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ: عقَالًا أَبيض وَعِقَالًا أسود أعرف اللَّيْل من النَّهَار، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن وِسَادك لَعَرِيض، إِنَّمَا هُوَ سَواد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار) . وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد (قَالَ: أخذت عقَالًا أَبيض وَعِقَالًا أسود فوضعتهما تَحت وِسَادَتِي، فَنَظَرت فَلم أتبين، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَحِك، وَقَالَ: إِن وِسَادك إِذا لَعَرِيض طَوِيل، إِنَّمَا هُوَ اللَّيْل وَالنَّهَار) . وَفِي لفظ:(إِنَّمَا هما سَواد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار) ، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن مطرف:(فَضَحِك، وَقَالَ: لَا يَا عريض الْقَفَا) . انْتهى. قَوْله:(إِن وِسَادك لَعَرِيض) ، كنى بالوساد عَن النّوم، لِأَن النَّائِم يتوسد، أَي: إِن نومك لطويل كثير، وَقيل: كنى بالوساد عَن مَوضِع الوساد من رَأسه وعنقه، وَتشهد لَهُ الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا:(إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا) ، فَإِن عرض الْقَفَا كِنَايَة عَن السّمن، وَقيل: أَرَادَ من أكل مَعَ الصُّبْح فِي صَوْمه أصبح عريض الْقَفَا، لِأَن الصَّوْم لَا يُؤثر فِيهِ، وَيُقَال: يكنى عَن الأبله بعريض الْقَفَا، فَإِن عرض الْقَفَا وَعظم الرَّأْس إِذا أفرطا قيل: إِنَّه دَلِيل الغباوة والحماقة، كَمَا أَن استواءه دَلِيل على علو الهمة وَحسن الْفَهم، وَهَذَا من قبيل الْكِنَايَة الْخفية، وَالْفرق بَين الْكِنَايَة وَالْمجَاز أَن الِانْتِقَال فِي الْكِنَايَة من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم، وَفِي الْمجَاز من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم، وَهَكَذَا فرق السكاكي وَغَيره، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إِنَّمَا عرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قفا عدي لِأَنَّهُ غفل عَن الْبَيَان، وتعريض الْقَفَا مِمَّا يسْتَدلّ بِهِ على قلَّة الفطنة، قيل: أنكر ذَلِك غير وَاحِد، مِنْهُم: الْقُرْطُبِيّ، فَقَالَ: حمله بعض النَّاس على الذَّم لَهُ على ذَلِك الْفَهم، وَكَأَنَّهُم فَهموا أَنه نسبه إِلَى الْجَهْل والجفا وَعدم الْفِقْه، وعضدوا ذَلِك بقوله:(إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا)