للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِحَرب من الله عز وَجل) .

وَأجَاب أَبُو حنيفَة عَن حَدِيث الْبَاب بِأَن مُعَاملَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل خَيْبَر لم كن بطرِيق الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة، بل كَانَت بطرِيق الْخراج على وَجه الْمَنّ عَلَيْهِم وَالصُّلْح، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ملكهَا غنيمَة، فَلَو كَانَ أَخذ كلهَا جَازَ وَتركهَا فِي أَيْديهم بِشَطْر مَا يخرج مِنْهَا فضلا، وَكَانَ ذَلِك خراج مقاسمة وَهُوَ جَائِز كخراج التوظيف، وَلَا نزاع فِيهِ، وَإِنَّمَا النزاع فِي جَوَاز الْمُزَارعَة والمعاملة، وخراج الْمُقَاسَمَة أَن يوظف الإِمَام فِي الْخَارِج شَيْئا مُقَدرا عشرا أَو ثلثا أَو ربعا وَيتْرك الْأَرَاضِي على ملكهم منا عَلَيْهِم، فَإِن لم تخرج الأَرْض شَيْئا فَلَا شَيْء عَلَيْهِم، وَهَذَا تَأْوِيل صَحِيح، فَإِنَّهُ لم ينْقل عَن أحد من الروَاة أَنه تصرف فِي رقابهم أَو رِقَاب أَوْلَادهم. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ فِي (شَرحه لمختصر الطَّحَاوِيّ) : وَمِمَّا يدل على أَن مَا شَرط من نصف الثَّمر وَالزَّرْع كَانَ على وَجه الْجِزْيَة، أَنه لم يرو فِي شَيْء من الْأَخْبَار أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ مِنْهُم الْجِزْيَة إِلَى أَن مَاتَ، وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِلَى أَن أجلاهم، وَلَو لم يكن ذَلِك لأخذ مِنْهُم الْجِزْيَة حِين نزلت آيَة الْجِزْيَة، وَالْخَرَاج الموظف أَن يَجْعَل الإِمَام فِي ذمتهم بِمُقَابلَة الأَرْض شَيْئا من كل جريب يصلح للزِّرَاعَة صَاعا ودرهماً. فَإِن قلت: رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم أَرَاضِي خَيْبَر على سِتَّة وَثَلَاثِينَ سَهْما، وَهَذَا على أَنَّهَا مَا كَانَت خراج مقاسمة؟ قلت: يجوز أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم خراج الْأَرَاضِي بِأَن جعل خراج هَذِه الأَرْض لفُلَان وخراج هَذِه لفُلَان. فَإِن قلت: رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أجلى أهل خَيْبَر وَلم يعطهم قيمَة الْأَرَاضِي، فَدلَّ ذَلِك على عدم الْملك. قلت: يجوز أَنه مَا أَعْطَاهُم زمَان الإجلاء، وَأَعْطَاهُمْ بعد ذَلِك.

وَفِيه: تَخْيِير عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَن يقطع لَهُنَّ من الأَرْض وَبَين إجرائهن على مَا كن عَلَيْهِ فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير أَن يملكهن، لِأَن الأَرْض لم تكن موروثة عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا توفين عَادَتْ الأَرْض وَالنَّخْل على أَصْلهَا وَقفا مسبلاً، وَكَانَ عمر يعطيهن ذَلِك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا تركت بعد نَفَقَة نسَائِي فَهُوَ صَدَقَة) ، وَقَالَ ابْن التِّين: وَقيل: إِن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يقطعهن سوى هَذِه الأوسق اثْنَي عشر ألفا لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَمَا يجْرِي عَلَيْهِم فِي سَائِر السّنة.

٩ - (بابٌ إِذا لَمْ يَشْتَرِطِ السِّنينَ فِي المُزَارَعَةِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا لم يشْتَرط رب الأَرْض سنيناً مَعْلُومَة فِي عقد الْمُزَارعَة، وَلم يذكر جَوَاب: إِذا، الَّذِي هُوَ: يجوز أَو لَا يجوز لَكَانَ الِاخْتِلَاف فِيهِ، قَالَ ابْن بطال: قد اخْتلف الْعلمَاء فِي الْمُزَارعَة من غير أجل، فكرهها مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذا لم يسم سِنِين مَعْلُومَة فَهُوَ على سنة وَاحِدَة، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَحكى عَن بَعضهم أَنه قَالَ: أُجِيز ذَلِك اسْتِحْسَانًا، وَادّعى الْقيَاس لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نقركم مَا شِئْنَا) . قَالَ: فَيكون لصَاحب النّخل وَالْأَرْض أَن يخرج المساقي والمزارع من الأَرْض مَتى شَاءَ، وَفِي ذَلِك دلَالَة أَن الْمُزَارعَة تخَالف الْكِرَاء، لَا يجوز فِي الْكِرَاء أَن يَقُول: أخرجك عَن أرضي مَتى شِئْت، وَلَا خلاف بَين أهل الْعلم أَن الْكِرَاء فِي الدّور وَالْأَرضين لَا يجوز إلَاّ وقتا مَعْلُوما. قلت: لصِحَّة الْمُزَارعَة على قَول من يجيزها شُرُوط، مِنْهَا بَيَان الْمدَّة بِأَن يُقَال: إِلَى سنة أَو سنتَيْن، وَمَا أشبهه، وَلَو بَين وقتا لَا يدْرك الزَّرْع فِيهَا تفْسد الْمُزَارعَة، وَكَذَا لَو بَين مُدَّة لَا يعِيش أَحدهمَا إِلَيْهَا غَالِبا تفْسد أَيْضا، وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة: أَن الْمُزَارعَة تصح بِلَا بَيَان الْمدَّة، وَتَقَع على زرع وَاحِد، وَاخْتَارَهُ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، وَعَن أَحْمد: يجوز بِلَا بَيَان الْمدَّة لِأَنَّهَا عقد جَائِز غير لَازم، وَعند أَكثر الْفُقَهَاء: لَازم.

٩٢٣٢ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافِعٌ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ عامَلَ النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَر أوْ زَرْعٍ. .

هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي الْبَاب السَّابِق بأتم مِنْهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن أنس بن عِيَاض عَن عبيد الله عَن نَافِع، وَهنا أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع، وَأَعَادَهُ مُخْتَصرا لأجل التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة، والمطابقة بَينهمَا ظَاهِرَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ التَّعَرُّض إِلَى بَيَان الْمدَّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>