لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إدَاوَةً على فَمِها خِرْقَةٌ فَصَبَبْتُ علَى اللَّبَنِ حتَّى برَدَ أسْفَلُهُ فانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلْتُ اشْرَبْ يَا رسولَ الله فَشرِبَ حتَّى رَضِيتُ..
وَجه إِدْخَال هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب الَّذِي كالفصل من الْبَاب المترجم الَّذِي قبله من حَيْثُ إِن الْبَاب المترجم مُشْتَمل على حكم من أَحْكَام اللّقطَة، وَهَذَا أَيْضا فِيهِ شَيْء يشبه حَاله حَال اللّقطَة، وَهُوَ الشّرْب من لبن غنم لَهَا راعٍ وَاحِد فِي الصَّحرَاء، وَهُوَ فِي حكم الضائع فِي هَذِه الْحَالة، فَصَارَ كالسوط أَو الْحَبل أَو نَحْوهمَا الَّذِي يُبَاح الْتِقَاطه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا التلفيق بَينه وَبَين مَا تقدم آنِفا من حَدِيث: (لَا يحلبن أحد مَاشِيَة أحد؟) قلت: كَانَ هَهُنَا إِذن عادي أَو كَانَ صَاحبه صديق الصّديق، أَو كَانَ كَافِرًا حَرْبِيّا أَو كَانَ حَالهمَا حَال اضطرار أَو من جِهَة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أولى بِالْمُؤْمِنِينَ. انْتهى. قلت: لَا تطلب الْمُطَابقَة إلَاّ بَين حَدِيث الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي ترْجم عَلَيْهِ، وَهَهُنَا الْبَاب الَّذِي فِيهِ هَذَا الحَدِيث مُجَرّد من التَّرْجَمَة، وَهُوَ دَاخل فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَهُوَ: بَاب من عرف اللّقطَة وَلم يَدْفَعهَا إِلَى السُّلْطَان، وَالَّذِي ذكره الْكرْمَانِي لَيْسَ لَهُ مُنَاسبَة هَهُنَا أصلا، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم مَا ذكره بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين: بَاب لَا يحتلب مَاشِيَة أحد إلَاّ بِإِذن، وَبَينهمَا ثَلَاثَة أَبْوَاب، وَالْأَصْل بَيَان الْمُطَابقَة بَين كل بَاب وَحَدِيثه.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: الأول: عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه عَن النَّضر، بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن شُمَيْل مصغر شَمل عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن الْبَراء بن عَازِب. الثَّانِي: عَن عبد الله بن رَجَاء بن الْمثنى الفداني الْبَصْرِيّ أبي عَمْرو عَن إِسْرَائِيل ... إِلَى آخِره، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، وَفِي الْهِجْرَة عَن مُحَمَّد بن بشار، وَفِي الْأَشْرِبَة عَن مَحْمُود عَن النَّضر. وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن سَلمَة بن شبيب، وَفِي الْأَشْرِبَة عَن أبي مُوسَى.