٠٢ - (بابٌ إِذا أسلْمَتِ المُشْرِكَةُ أوِ النَّصْرَانِيّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ أَو الحَرْبِيِّ.)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا أسلمت المشركة أَو النَّصْرَانِيَّة، واقتصاره على النَّصْرَانِيَّة لَيْسَ بِقَيْد لِأَن الْيَهُودِيَّة أَيْضا مثلهَا. وَلَو قَالَ: إِذا أسلمت المشركة أَو الذِّمِّيَّة لَكَانَ أحسن وأشمل، وَلم يذكر جَوَاب: إِذا الَّذِي هُوَ الحكم لإشكاله. قَالَ بَعضهم: قلت: هَذَا غير موجه فَإِذا كَانَ مُشكلا فَمَا فَائِدَة وضع التَّرْجَمَة؟ بل جرت عَادَته على أَنه يذكر غَالب التراجم مُجَرّدَة عَن بَيَان الحكم فِيهَا اكْتِفَاء بِمَا يعلم الحكم من أَحَادِيث الْبَاب الَّتِي فِيهِ، وَحكم الْمَسْأَلَة الَّتِي وضعت التَّرْجَمَة لَهُ هُوَ أَن الْمَرْأَة إِذا أسلمت قبل زَوجهَا هَل تقع الْفرْقَة بَينهمَا بِمُجَرَّد إسْلَامهَا أَو يثبت لَهَا الْخِيَار أَو يُوقف فِي الْعدة؟ فَإِن أسلم اسْتمرّ النِّكَاح وإلَاّ وَقعت الْفرْقَة بَينهمَا.
وَفِيه اخْتِلَاف مَشْهُور. وَقَالَ ابْن بطال: الَّذِي ذهب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس وَعَطَاء إِن إِسْلَام النَّصْرَانِيَّة قبل زَوجهَا فاسخ لنكاحها لعُمُوم قَوْله عز وَجل: {لَا هن حل لَهُم وَلَا هم يحلونَ لَهُنَّ} (الممتحنة: ٠١) فَلم يخص وَقت الْعدة من غَيرهَا، وروى مثله عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ قَول طَاوُوس وَأبي ثَوْر. وَقَالَت طَائِفَة: إِذا أسلم فِي الْعدة تزَوجهَا، هَذَا قَول مُجَاهِد وَقَتَادَة، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو عبيد. وَقَالَت طَائِفَة: إِذا عرض على زَوجهَا الْإِسْلَام فَإِن أسلم فهما على نِكَاحهمَا وَإِن أَبى أَن يسلم فرق بَينهمَا، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة إِذا كَانَا فِي دَار الْإِسْلَام، وَأما فِي دَار الْحَرْب فَإِذا أسلمت وَخرجت إِلَيْنَا بَانَتْ مِنْهُ بافتراق الدَّاريْنِ، وَفِيه قَول آخر يرْوى عَن عمر بن الْخطاب أَنه: خيَّر نَصْرَانِيَّة أسلمت وَزوجهَا نَصْرَانِيّ إِن شَاءَت فارقته وَإِن شَاءَت أَقَامَت مَعَه.
وَقَالَ عبْدُ الوَارِث: عنْ خالِدٍ عنْ عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ: إِذا أسْلمَتِ النَّصْرَانِيّةُ قبْلَ زَوْجِها بِساعةٍ حَرُمَتْ علَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وتوضيح التَّرْجَمَة أَيْضا أوردهُ مُعَلّقا عَن عبد الْوَارِث بن سعيد التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ عَن خَالِد الْحذاء إِلَى آخِره، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَهُوَ عَام يَشْمَل الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا.
وَقَالَ داوُدُ: عنْ إبْرااهِيم الصَّائِغِ سُئِلَ عَطَاءٌ عنِ امْرَأةٍ منْ أهْلِ العَهْدِ أسْلَمتْ ثُمَّ أسْلَمَ زَوْجُها فِي العِدَّةِ أهِيَ امْرَأتُه؟ قَالَ: لَا، إلَاّ أنْ تَشاءَ هِيَ بِنكاحٍ جدِيد وصَدَاقِ.
أخرج هَذَا الْمُعَلق عَن دَاوُد ن أبي الْفُرَات واسْمه عَمْرو بن الْفُرَات عَن إِبْرَاهِيم بن مَيْمُون الصَّائِغ الْمروزِي، قتل سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح. قَوْله: (من أهل الْعَهْد) أَي: من أهل الذِّمَّة إِلَى آخِره. وَأخرج ابْن أبي شيبَة بِمَعْنَاهُ: عَن عبَادَة بن الْعَوام عَن حجاج عَن عَطاء فِي النَّصْرَانِيَّة تسلم تَحت زَوجهَا، قَالَ: يفرق بَينهمَا.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: إِذا أسْلَمَ فِي العِدَّةِ يتَزَوِّجُها.
أخرج هَذَا الْمُعَلق أَيْضا عَن مُجَاهِد: إِذا أسلم ذمِّي فِي عدَّة الْمَرْأَة صورته أسلمت امْرَأَته، ثمَّ أسلم هُوَ فِي عدتهَا لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا، وَوَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: { (٦٠) لَا هن حل لَهُم وَلَا هم يحلونَ لَهُنَّ} (الممتحنة: ٠١) [/ ح.
أورد البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة للاستدلال بهَا فِي تَقْوِيَة قَول عَطاء الْمَذْكُور (الْآن) وَأَنه اخْتَار هَذَا القَوْل، وَهُوَ أَن النَّصْرَانِيَّة إِذا أسلمت ثمَّ أسلم زَوجهَا فِي الْعدة فَإِنَّهَا لَا تحل لَهُ إلاّ بِنِكَاح جَدِيد وصداق. فَإِن قلت: روى عَطاء فِي الْبَاب الَّذِي قبله عَن ابْن عَبَّاس أَن الْمَرْأَة إِذا هَاجَرت من أهل الْحَرْب لم تخْطب حَتَّى تحيض وتطهر، فَإِذا طهرت حل لَهَا النِّكَاح، فَإِن هَاجر زَوجهَا قبل أَن تنْكح ردَّتْ إِلَيْهِ. . الحَدِيث، فَبين قَوْله، وَرِوَايَته عَن ابْن عَبَّاس تعَارض. قلت: أُجِيب بِأَن قَوْله: لم تخْطب حَتَّى تحيض وتطهر، يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ انْتِظَار إِسْلَام زَوجهَا مَا دَامَت هِيَ فِي عدتهَا، وَيحْتَمل أَيْضا أَن تَأْخِير الْخطْبَة إِنَّمَا هُوَ لكَون الْمُعْتَدَّة لَا تخْطب مَا دَامَت فِي الْعدة، فَإِذا حمل على الِاحْتِمَال الثَّانِي يَنْتَفِي التَّعَارُض.