ابْن أبي ذِئْب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي، وَعَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم (عَن ابْن عمر عَن النَّبِي أَن رجلا سَأَلَهُ: مَا يلبس الْمحرم؟) الحَدِيث، فَتقدم طَرِيق نَافِع وَعطف عَلَيْهِ طَرِيق الزُّهْرِيّ، وَهَهُنَا عكس ذَاك حَيْثُ قدم طَرِيق الزُّهْرِيّ وَعطف عَلَيْهِ طَرِيق نَافِع.
٠١ - (بابُ مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعَوْرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ستر الْعَوْرَة، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة، وَيجوز أَن تكون مَوْصُولَة، وَالتَّقْدِير: بَاب فِي بَيَان الشَّيْء الَّذِي يستر، أَي: الَّذِي يجب ستره، وَكلمَة؛ من، بَيَانِيَّة فِي الْوَجْهَيْنِ، ثمَّ هَذَا أَعم من أَن يكون فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا، وَقيد بَعضهم قَوْله: أَي خَارج الصَّلَاة فَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من لفظ الأحتباء الَّذِي فِي حَدِيث الْبَاب، فَإِنَّهُ قيد النَّهْي فِيهِ بقوله: لَيْسَ على فرجه مِنْهُ شَيْء، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيص بِخَارِج الصَّلَاة، بل النَّهْي أَعم من أَن يكون فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة، ثمَّ قَول هَذَا الْقَائِل: وَالظَّاهِر من تصرف المُصَنّف أَنه يرى أَن الْوَاجِب ستر السوءتين لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن الَّذِي، يدل على ذَلِك، أَي: تصرف مِنْهُ هَهُنَا. وَإِن كَانَ مذْهبه ذَلِك، والعورة: سوءة الْإِنْسَان وكل مَا يستحى مِنْهُ.
٧٦٣٣٣ - ح دّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قالَ حدّثنا لَ يْثٌ عنِ ابْن شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُتْبةَ عنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أنَّهُ قَالَ نَهَى رسولُ الله عنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأنْ يَحْتَبِيَ الرجلُ فِي ثَوْبٍ واحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. (الحَدِيث ٧٦٣ أَطْرَافه فِي: ١٩٩١، ٤٤١٢، ٧٤١٢، ٠٢٨٥، ٢٢٨٥، ٤٨٢٦) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَيْسَ على فرجه مِنْهُ شَيْء) فَإِن النَّهْي فِيهِ أَن يكون الْفرج مكشوفاً، فَهُوَ يدل على أَن ستر الْعَوْرَة وَاجِب، وَالْبَاب فِي ستر الْعَوْرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَأَبُو سعيد اسْمه سعيد بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: قَول الصَّحَابِيّ عَن نهي النَّبِي. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بلخي وبصري ومدني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن مُحَمَّد عَن مخلد عَن ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ، وَأخرجه فِي الْبيُوع عَن سعد بن عفير عَن اللَّيْث، وَفِي اللبَاس أَيْضا عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث، وَأخرجه أَيْضا فِي الْبيُوع عَن عَبَّاس عَن عبد الْأَعْلَى عَن معمر، وَفِي الاسْتِئْذَان عَن عَليّ بن عبد اعن سُفْيَان. وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث، وَفِي اللبَاس عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث، وَعَن عَمْرو النَّاقِد عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع عَن أَحْمد بن صَالح وَعَن قُتَيْبَة وَأبي الطَّاهِر بن السَّرْح، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيُوع عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، وَعَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي، وَعَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب، وَأخرجه فِي الزِّينَة أَيْضا عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَأخرجه فِي الْبيُوع أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ، وَعَن الْحُسَيْن بن حُرَيْث عَن سُفْيَان بِالنَّهْي عَن البيعتين فِيهِ، وبالنهي عَن اللبستين فِي الزِّينَة. وَأخرجه ابْن ماجة فِي التِّجَارَات عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَسَهل بن أبي سهل الرَّازِيّ كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان.
ذكر مَعْنَاهُ. قَوْله: (عَن اشْتِمَال الصماء) بالصَّاد الْمُهْملَة وَالْمدّ، وَاخْتلف فِي تَفْسِيره، فَفِي (الصِّحَاح) : هُوَ أَن يُجَلل جسده كُله بالإزار أَو بالكساء، فَيردهُ من قبل يَمِينه على يَده الْيُسْرَى. وعاتقه الْأَيْسَر، ثمَّ يردهُ ثَانِيًا من خَلفه على يَده الْيُمْنَى وعاتقه الْأَيْمن فيغطيهما جَمِيعًا. وَفِي (النِّهَايَة) لِابْنِ الْأَثِير: هُوَ التجلل بِالثَّوْبِ وإرساله من غير أَن يرفع جَانِبه، وَفِي كتاب (اللبَاس) : هُوَ أَن يَجْعَل ثَوْبه على أحد عَاتِقيهِ فيبدو أحد شقيه لَيْسَ عَلَيْهِ ثوب، وَعَن الْأَصْمَعِي: هُوَ أَن يشْتَمل بِالثَّوْبِ حَتَّى يُجَلل بِهِ جسده لَا يرفع مِنْهُ جانباً فَلَا يبْقى مَا يخرج مِنْهُ يَده، وَعَن أبي عبيد: إِن الْفُقَهَاء يَقُولُونَ: هُوَ أَن يشْتَمل بِثَوْب وَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره ثمَّ يرفعهُ من أحد جانبيه فيضعه على أحد مَنْكِبَيْه فيبدو مِنْهُ فرجه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِذا قلت اشْتَمَل فلَان الصماء كَأَنَّك قلت: اشْتَمَل الشملة الَّتِي تعرف بِهَذَا الِاسْم، لِأَن الصماء ضرب من الاشتمال. انْتهى.
قلت: تَحْقِيق هَذِه الكملة أَن الاشتمال مُضَاف إِلَى الصماء، والصماء فِي الأَصْل صفة، يُقَال: صَخْرَة صماء إِذا لم يكن فِيهَا خرق وَلَا منفذ، وَمعنى النَّهْي عَن اشْتِمَال الصماء نهي عَن اشْتِمَال الثَّوْب كاشتمال الصَّخْرَة الصماء، واشتمالها كَون عدم الْخرق والمنافذ فِيهَا، وتشبيه الاشتمال الْمنْهِي بهَا كَونه يسد المنافذ كلهَا، وَالَّذِي ذكره الْكرْمَانِي لَيْسَ تَفْسِير مَا فِي لفظ الحَدِيث على مَا لَا يخفى. قَوْله: