أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: {أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر يَعْقُوب الْمَوْت إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبدُونَ من بعدِي قَالُوا نعْبد إل هك وإل هـ آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق إل هَاً وَاحِدًا وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} (الْبَقَرَة: ٣٣١) . ذكر الله تَعَالَى وَصِيَّة إِبْرَاهِيم لِبَنِيهِ بقوله) {ووصى بهَا إِبْرَاهِيم بنيه} (الْبَقَرَة: ٢٣١) . أَي: بِهَذِهِ الْملَّة، وَهِي الْإِسْلَام ووصى يَعْقُوب أَيْضا بهَا ثمَّ قَالَ محتجاً على الْمُشْركين من الْعَرَب أَبنَاء إِسْمَاعِيل وعَلى الْكفَّار من بني إِسْرَائِيل: إِن يَعْقُوب لما حَضرته الْوَفَاة وصّى بنيه بِعبَادة الله تَعَالَى وَحده لَا شريك لَهُ، فَقَالَ لَهُم: مَا تَعْبدُونَ من بعدِي؟ فَأخْبر الله تَعَالَى عَنْهُم أَنهم قَالُوا: نعْبد إل هك ... وَالْآيَة هَذِه من بَاب التغليب، لِأَن إِسْمَاعِيل عَم يَعْقُوب، وَنقل الْقُرْطُبِيّ أَن الْعَرَب تسمي الْعم أَبَا، وَقد اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة من جعل الْجد أَبَا، وحجب بِهِ الْأُخوة وَهُوَ قَول الصّديق: وَإِلَيْهِ ذهبت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، وَبِه يَقُول الْحسن الْبَصْرِيّ وطاووس وَعَطَاء، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَغير وَاحِد من عُلَمَاء السّلف وَالْخلف. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: إِنَّه يقاسم الْإِخْوَة، وَحكى مَالك عَن عَمْرو وَعُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت، وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن، رَحِمهم الله، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: (أم كُنْتُم شُهَدَاء) هِيَ: أم، المنقطعة وَمعنى الْهمزَة فِيهَا الْإِنْكَار، وَالشُّهَدَاء: جمع شَهِيد، يَعْنِي الْحَاضِر: أَي: مَا كُنْتُم حاضرين يَعْقُوب إِذْ حَضَره الْمَوْت أَي: حِين احْتضرَ، وَالْخطاب للْمُؤْمِنين بِمَعْنى: مَا شهدتم ذَلِك وَإِنَّمَا حصل لكم الْعلم بِهِ من طَرِيق الْوَحْي، وَقيل: الْخطاب للْيَهُود لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: مَا مَاتَ نَبِي إلَاّ على الْيَهُودِيَّة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَيْضا: لَكِن الْوَجْه أَن تكون: أم، مُتَّصِلَة على أَن يقدر قبلهمَا مَحْذُوف، كَأَنَّهُ قيل: أَتَدعُونَ على الْأَنْبِيَاء الْيَهُودِيَّة أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر يَعْقُوب الْمَوْت، يَعْنِي أَن أوائلكم من بني إِسْرَائِيل كَانُوا مشاهدين لَهُ إِذْ أَرَادَ بنيه على التَّوْحِيد وملة الْإِسْلَام، وَقد علمْتُم ذَلِك، فَمَا لكم تدعون على الْأَنْبِيَاء مَا هم مِنْهُ برَاء؟ .
٤٧٣٣ - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمُ سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ سَعِيدِ بنِ أبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قِيلَ لِ لنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ أكْرَمُ النَّاسِ قَالَ أكْرَمُهُمْ أتْقَاهُمْ قَالُوا يَا نَبِيَّ الله لَيْسَ عنْ هاذَا نَسْألُكَ قَالَ فأكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفَ نَبيُّ الله ابنُ نَبِيِّ الله ابنِ نَبِيِّ الله ابنِ خَلِيلِ الله قالُوا لَيْسَ عَنْ هاذَا نَسْألُكَ قَالَ فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْألُونِي قالُوا نَعَمْ قَالَ فَخِيَارِكُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإسْلامِ إذَا فَقِهُوا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث مُوَافق لِلْآيَةِ فِي سِيَاق نسب يُوسُف، وَالْآيَة تَضَمَّنت أَن يَعْقُوب خَاطب أَوْلَاده عِنْد مَوته بِالْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَة آنِفا. وَمن جملَة أَوْلَاد يَعْقُوب: يُوسُف، وَلَيْسَ فِي الْأَنْبِيَاء على نسق نسب يُوسُف فَإِنَّهُ نَبِي الله ابْن نَبِي الله يَعْقُوب ابْن نَبِي الله إِسْحَاق ابْن نَبِي الله إِبْرَاهِيم، وَإِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم الرَّاوِي هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، والمعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن طرخان، وَعبيد الله مُصَغرًا ابْن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، والْحَدِيث مر فِي: بَاب أَوَائِل قَول الله: {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} (النِّسَاء: ٥٦١) . وَمر الْكَلَام فِيهِ مستقصًى.
٧١ - (بابٌ {ولُوطَاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أتَأتُونَ الْفَاحِشَةَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ أئِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلَاّ أنْ قالُوا أخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فأنْجَيْنَاهُ وأهْلَهُ إلَاّ امْرَأتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ وأمْطَرْنَا عَلَيهِمْ مَطَرَاً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذِرِينَ} .)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {ولوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} إِلَى آخِره، و: لوطاً، مَنْصُوب بِتَقْدِير وَاذْكُر لوطاً، أَو بِتَقْدِير: أرسلنَا لوطاً بِدلَالَة قَوْله فِيمَا قبله: {وَلَقَد أرسلنَا إِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا} (لوط: ٣٨) . وَكلمَة: إِذْ، بدل على الأول ظرف على الثَّانِي. قَوْله: {أتأتون الْفَاحِشَة} أَي: الفعلة القبيحة الشنيعة وَهِي اللواطة. قَوْله: {وَأَنْتُم تبصرون} ، أَي: وَالْحَال أَنكُمْ تعلمُونَ أَنَّهَا فَاحِشَة لم تسبقوا إِلَيْهَا، وتبصرون
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute