للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَشْوِيه الْوَجْه بتحويل خلقه عَن وَضعه بجعله مَوضِع الْقَفَا، وَهَذَا نَظِير الْوَعيد فِيمَن رفع رَأسه قبل الإِمَام أَن يَجْعَل الله رَأسه راس حمَار، وَيُؤَيّد حمله على ظَاهره مَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي أُمَامَة بِلَفْظ: (لتسون الصُّفُوف أَو لتطمسن الْوُجُوه) . قَالَ الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَاهُ تَفْتَرِقُونَ فَيَأْخُذ كل وَاحِد وَجها غير الَّذِي أَخذ صَاحبه، لِأَن تقدم الشَّخْص على غَيره مَظَنَّة الْكبر الْمُفْسد للقلب الدَّاعِي إِلَى القطيعة، وَيُقَال: المُرَاد من الْوَجْه إِمَّا الذَّات فالمخالفة بِحَسب الْمَقَاصِد، وَإِمَّا الْعُضْو الْمَخْصُوص، فالمخالفة إِمَّا بِحَسب الصُّورَة الإنسانية وَغَيرهَا، وَإِمَّا بِحَسب الصّفة، وَإِمَّا بِحَسب القدام والوراء. قَوْله: (ليخالفن) ، من بَاب المفاعلة، وَلَكِن لَا يَقْتَضِي الْمُشَاركَة لِأَن مَعْنَاهُ: ليوقعن الله الْمُخَالفَة بِقَرِينَة لَفْظَة: بَين.

٧١٨ - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدثنَا عَبْدُ الوَارِثِ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ أنَسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقِيمُوا الصُّفُوفَ فإنِّي أرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْأَمر بِإِقَامَة الصُّفُوف هُوَ الْأَمر بالتسوية، وَرِجَاله قد مروا، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: هُوَ عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ.

وَأخرجه مُسلم عَن شَيبَان عَن عبد الْوَارِث، وَعند النَّسَائِيّ: (كَانَ يَقُول: اسْتَووا اسْتَووا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ من خَلْفي كَمَا أَرَاكُم بَين يَدي) .

قَوْله: (أقِيمُوا الصُّفُوف) أَي: عدلوا، يُقَال: أَقَامَ الْعود، أَي: عدله وسواه. قَوْله: (فَإِنِّي أَرَاكُم خلف ظَهْري) الْفَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن سَبَب الْأَمر بذلك إِنَّمَا هُوَ تَحْقِيق مِنْكُم خِلَافه، وَلَا يخفى ذَلِك على أَنِّي أرى من خلف ظَهْري، كَمَا إرى من بَين يَدي. ثمَّ إِن هَذَا يجوز أَن يكون إدراكا خَاصّا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محققا انخرقت لَهُ الْعَادة وخلقت لَهُ عين وَرَاءه فَيرى بهَا، كَمَا ذكر مُخْتَار بن مُحَمَّد فِي رسَالَته الناصرية: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بَين كتفه عينان مثل سم الْخياط، فَكَانَ يبصر بهما، وَلَا تحجبهما الثِّيَاب. وَفِي حَدِيث: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى فِي الظلام كَمَا يرى فِي الضَّوْء. وَذكر بعض أهل الْعلم أَن ذَلِك رَاجع إِلَى الْعلم، وَأَن مَعْنَاهُ: لَا علم، وَهَذَا تَأْوِيل لَا حَاجَة إِلَيْهِ، بل حمل ذَلِك على ظَاهره أولى، وَيكون ذَلِك زِيَادَة فِي كرامات الشَّارِع، قَالَه الْقُرْطُبِيّ. وَقَالَ أَحْمد وَجُمْهُور الْعلمَاء: هَذِه الرُّؤْيَة رُؤْيَة الْعين حَقِيقَة وَلَا مَانع لَهُ من جِهَة الْعقل، وَورد الشَّرْع بِهِ فَوَجَبَ القَوْل بِهِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْأَمر بتسوية الصُّفُوف، وَهِي من سنة الصَّلَاة عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك، وَزعم ابْن حزم أَنه فرض، لِأَن إِقَامَة الصَّلَاة فرض، وَمَا كَانَ من الْفَرْض فَهُوَ فرض. قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِن تَسْوِيَة الصَّفّ من تَمام الصَّلَاة) . فَإِن قلت: الأَصْل فِي الْأَمر الْوُجُوب وَلَا سِيمَا فِيهِ الْوَعيد على ترك تَسْوِيَة الصُّفُوف، فَدلَّ على أَنَّهَا وَاجِبَة. قلت: هَذَا الْوَعيد من بَاب التَّغْلِيظ وَالتَّشْدِيد تَأْكِيدًا وتحريضا على فعلهَا، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ بسديد. لِأَن الْأَمر المقرون بالوعيد يدل على الْوُجُوب، بل الصَّوَاب أَن يَقُول: فلتكن التَّسْوِيَة وَاجِبَة بِمُقْتَضى الْأَمر، وَلكنهَا لَيست من وَاجِبَات الصَّلَاة بِحَيْثُ أَنه إِذا تَركهَا فَسدتْ صلَاته أَو نقصتها. غَايَة مَا فِي الْبَاب إِذا تَركهَا يَأْثَم، وَرُوِيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يُوكل رجَالًا بِإِقَامَة الصُّفُوف، فَلَا يكبر حَتَّى يخبر أَن الصُّفُوف قد اسْتَوَت، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا كَانَا يتعاهدان ذَلِك ويقولان: اسْتَووا، وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: تقدم يَا فلَان، وَتَأَخر يَا فلَان. وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسَوِّي صُفُوفنَا إِذا قمنا للصَّلَاة وَإِذا استوينا كبر للصَّلَاة) ، وَلَفظ مُسلم: (كَانَ يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بهَا القداح، حَتَّى رأى أَنا قد غفلنا عَنهُ، خرج يَوْمًا حَتَّى كَاد أَن يكبر، فَرَأى رجلا باديا صَدره، فَقَالَ: عباد الله لتسونَّ صفوفكم) الحَدِيث.

٧٢ - (بابُ إقْبَالِ الإمامِ النَّاسَ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُفُوفِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم إقبال الإِمَام، وَلَفظ الإقبال مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله، وَقَوله: النَّاس، بِالنّصب مَفْعُوله.

٧١٩ - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ أبي رَجَاءِ قَالَ حدَّثنا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ وَقَالَ حدَّثنا زائِدَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>