فَكيف يقْضِي لَهُ بِالْملكِ؟ وَلَو كَانَ مَمْلُوكا لعتق بِهَذَا القَوْل. وَالْآخر: أَنه لَو قضى لَهُ بِالْملكِ لم يقل الْوَلَد للْفراش، لِأَن الْمَمْلُوك لَا يلْحق بالفراش، ولكان يَقُول: هُوَ ملك لَك. وَقَالَ الْمُزنِيّ: يحْتَمل أَن يكون أجَاب فِيهِ على الْمَسْأَلَة. فأعلمهم بالحكم أَن هَذَا يكون إِذا ادّعى صَاحب فرَاش وَصَاحب زنا، لَا أَنه قَبِلَ قَول سعد على أَخِيه عتبَة، وَلَا على زَمعَة قَول ابْنه عبد بن زَمعَة أَنه أَخُوهُ، لِأَن كل اُحْدُ مِنْهُمَا أخبر عَن غَيره، وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَنه لَا يقبل إِقْرَار أحد على غَيره، فَحكم بذلك ليعرفهم الحكم فِي مثله إِذا نزل. قَوْله: (أَخذ سعد ابْن وليدة زَمعَة) أَي: أَخذ سعد بن أبي وَقاص، وَهُوَ مَرْفُوع منون. وَقَوله: (ابْن وليدة) ، مَنْصُوب على أَنه مفعول، وَيَنْبَغِي أَن يكْتب: ابْن، بِالْألف. قَوْله: (هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة) ، بِرَفْع عبد، وَيجوز نَصبه، وَكَذَا: ابْن، وَكَذَا قَوْله: يَا سَوْدَة بنت زَمعَة. قلت: أما وَجه الرّفْع وَالنّصب فَهُوَ أَن تَوَابِع الْمَبْنِيّ المفردة من التَّأْكِيد وَالصّفة وَعطف الْبَيَان ترفع على لَفظه، وتنصب على مَحَله بَيَانه: أَن لفظ عبد فِي: يَا عبد، منادى مَبْنِيّ على الضَّم، فَإِذا أكذ أَو اتّصف أَو عطف عَلَيْهِ يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ، كَمَا عرف فِي مَوْضِعه. قَوْله: (احتجبي مِنْهُ يَا سَوْدَة) ، أشكل مَعْنَاهُ قَدِيما على الْعلمَاء. فَذهب أَكثر الْقَائِلين بِأَن الْحَرَام لَا يحرم الْحَلَال، وَأَن الزِّنَا لَا تَأْثِير لَهُ فِي التَّحْرِيم، وَهُوَ قَول عبد الْملك بن الْمَاجشون، إلَاّ أَن قَوْله: كَانَ ذَلِك مِنْهُ على وَجه الِاحْتِيَاط والتنزه، وَأَن للرجل أَن يمْنَع امْرَأَته من رُؤْيَة أَخِيهَا، هَذَا قَول الشَّافِعِي. وَقَالَت طَائِفَة: كَانَ ذَلِك مِنْهُ لقطع الذريعة بعد حكمه بِالظَّاهِرِ، فَكَأَنَّهُ حكم بحكمين: حكم ظَاهر وَهُوَ: الْوَلَد للْفراش، وَحكم بَاطِن، وَهُوَ: الاحتجاب من أجل الشّبَه. كَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِأَخ لَك يَا سَوْدَة إلَاّ فِي حكم الله تَعَالَى، فَأمرهَا بالاحتجاب مِنْهُ. قلت: وَمن هَذَا أَخذ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد: أَن وَطْء الزِّنَا محرم، وَمُوجب للْحكم وَأَنه يجْرِي مجْرى الْوَطْء الْحَلَال فِي التَّحْرِيم مِنْهُ، وحملوا أمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لسودة بالاحتجاب على الْوُجُوب، وَهُوَ أحد قولي مَالك. وَفِي قَوْله الآخر: الْأَمر هَهُنَا للاستحباب، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر، وَذَلِكَ لأَنهم يَقُولُونَ: إِن وَطْء الزِّنَا لَا يحرم شَيْئا وَلَا يُوجب حكما، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم، وَذكر فِي حكم أم الْوَلَد سَبْعَة أَقْوَال: الأول: يجوز عتقهَا على مَال صرح بِهِ ابْن الْقصار فِي (فَتَاوِيهِ) الثَّانِي: يجوز بيعهَا مُطلقًا، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ. الثَّالِث: يجوز لسَيِّدهَا بيعهَا فِي حَيَاته، فَإِذا مَاتَ عتقت، وَحكي ذَلِك عَن الشَّافِعِي. الرَّابِع: أَنَّهَا تبَاع فِي الدّين، وَفِيه حَدِيث سَلامَة بن معقل فِي (سنَن أبي دَاوُد) . الْخَامِس: أَنَّهَا تبَاع، وَلَكِن إِن كَانَ وَلَدهَا مَوْجُودا عِنْد موت أَبِيه سَيِّدهَا حسب من نصِيبه إِن كَانَ ثمَّ مشارك لَهُ فِي التَّرِكَة، وَهُوَ مَذْهَب ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. السَّادِس: أَنه يجوز بيعهَا بِشَرْط الْعتْق، وَلَا يجوز بِغَيْرِهِ. السَّابِع: أَنَّهَا إِن عَقَّت وأبِقَتْ لم يجز بيعهَا، وَإِن فجرت أَو كفرت جَازَ بيعهَا. حُكيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَحكى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي التَّوَقُّف.
٩ - (بابُ بَيْعِ المُدَبِّرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الْمُدبر: هَل يجوز أم لَا؟ وَقد ذكر هَذِه التَّرْجَمَة بِعَينهَا فِي كتاب الْبيُوع.
٤٣٥٢ - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إياسٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَمْرُ ابنُ دِينارٍ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ أعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْداً لَهُ عنْ دُبُرٍ فَدَعَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ فَباعَهُ قَالَ جابِرٌ ماتَ الغُلامُ عامَ أوَّلَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث يُوضح حكم التَّرْجَمَة أَيْضا أَنه أطلقها، فَدلَّ أَن مذْهبه جَوَاز بيع الْمُدبر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْبيُوع مُسْتَوفى.
قَوْله: (عَن دبر) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وسكونها، وَاسم العَبْد: يَعْقُوب، وَالْمُعتق: أَبُو مَذْكُور، وَالْمُشْتَرِي: نعيم النحام. وَالثمن ثَمَانمِائَة دِرْهَم. قَوْله: (عَام أول) ، بِالصرْفِ وَعدم الصّرْف، لِأَنَّهُ إِمَّا: أفعل أَو فوعل، وَيجوز بِنَاؤُه على الضَّم، وَهَذِه الْإِضَافَة من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته، وَأَصله عَاما أول، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ اخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهِ، فلنذكر هُنَا أَيْضا يعَض شَيْء. فَقَالَ قوم: يجوز بيع الْمُدبر وَيرجع فِيهِ مَتى شَاءَ، وَهُوَ قَول مُجَاهِد وطاووس، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث، قَالُوا: وَهُوَ مَذْهَب عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا باعت مُدبرَة لَهَا سحرتها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute