للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(رَبهَا) ، أَن المُرَاد بِهِ سَيِّدهَا لِأَن وَلَدهَا من سَيِّدهَا يتنزل منزلَة سَيِّدهَا لمصير مآل الْإِنْسَان إِلَى وَلَده غَالِبا، وَوجه اسْتِدْلَال الْمَانِع أَن هَذَا إِخْبَار عَن غَلَبَة الْجَهْل فِي آخر الزَّمَان حَتَّى تبَاع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، فيكثر تردد الْأمة فِي الْأَيْدِي حَتَّى يَشْتَرِيهَا وَلَدهَا وَهُوَ لَا يدْرِي، فَيكون فِيهِ إِشَارَة إِلَى تَحْرِيم بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، وَلَا يخفى تعسف الْوَجْهَيْنِ.

٣٣٥٢ - حدَّثنا أَبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني عُرْوَةَ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ إنَّ عُتْبَةَ بنَ أبِي وقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أخِيهِ سَعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ أنْ يَقْبِضَ إلَيْهِ ابنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ قَالَ عُتْبَةُ إنَّهُ ابْني فلَمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَمَنَ الْفَتْحِ أخَذَ سَعْدٌ ابنُ ولِيدَةِ زَمْعَةَ فَأقْبَلَ بِهِ إلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقْبَلَ معَهُ بِعَبْدِ بنِ زَمْعَةَ فقالَ سَعْدٌ يَا رسُولَ الله هَذَا ابنُ أخِي عَهِدَ إلَيَّ أنَّهُ ابْنُهُ فَقَالَ عبدُ بنُ زَمْعَةَ يَا رسولَ الله هَذَا أخِي ابنُ ولِيدَةِ زَمعَة وُلدَ عَلى فِراشِهِ فنَظَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابنُ وليدَةِ زَمْعَةَ فإذَا هُوَ أشْبَهُ النًّاسِ بهِ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بنَ زَمْعَةَ مِنْ أجْلِ أنَّهُ وُلِدَ علَى فِرَاشِ أَبِيه وَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بنْتَ زَمْعَةَ مِمَّا رَأى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ وكانتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هَذَا أخي، ولد على فرَاش أبي) وَحكمه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِأَنَّهُ أَخُوهُ، فَإِن فِيهِ ثُبُوت أميَّة الْوَلَد. فَإِن قلت: لَيْسَ فِيهِ تعرض لحريتها وَلَا لرقيتها. قلت: التَّرْجَمَة فِي بَاب أم الْوَلَد مُطلقًا من غير تعرض للْحكم، كَمَا ذكرنَا فَتحصل الْمُطَابقَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَقيل: فِيهِ: إِشَارَة إِلَى حريَّة أم الْوَلَد لِأَنَّهُ جعلهَا فراشا، فسوى بَينهَا وَبَين الزَّوْجَة فِي ذَلِك. وَقَالَ الْكرْمَانِي: زَاد فِي بعض النّسخ بعد تَمام الحَدِيث، قَالَ أَبُو عبد الله: سمى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أمة زَمعَة أمة ووليدة، فَدلَّ على أَنَّهَا لم تكن عتيقة بِهَذَا الحَدِيث. قلت: هَذَا يدل على أَن ميله إِلَى عدم عتق أم الْوَلَد بِمَوْت السَّيِّد، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: وَقد يُقَال غَرَض البُخَارِيّ فِيهِ بَيَان أَن بعض الْحَنَفِيَّة لَا يَقُولُونَ بِأَن الْوَلَد للْفراش فِي الْأمة إِذْ لَا يلحقون الْوَلَد بالسيد إلَاّ بِإِقْرَارِهِ، بل يخصصونه بفراش الْحرَّة، فَإِذا أَرَادوا تَأْوِيل مَا فِي هَذَا الحَدِيث فِي بعض الرِّوَايَات من أَن الْوَلَد للْفراش يَقُولُونَ: إِن أم الْوَلَد الْمُتَنَازع فِيهَا كَانَت حرَّة لَا أمة، ثمَّ إِن هَذَا الحَدِيث مضى فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع فِي: بَاب تَفْسِير الشُّبُهَات، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَلَكِن نذْكر هُنَا بعض شيى لزِيَادَة الْفَائِدَة.

وَقَالَ ابْن بطال: الْقَضِيَّة مشكلة من جِهَة أَن عبدا ادّعى على أمة ولدا بقوله: أخي، وَلم يَأْتِ بِبَيِّنَة تشهد على إِقْرَار أَبِيه، فَكيف قبل دَعْوَاهُ؟ فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى: أَن الْأمة إِذا وَطئهَا مَوْلَاهَا فقد لزمَه كل ولد تَجِيء بِهِ بعد ذَلِك، إدعاه أم لَا. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا يلْزم مَوْلَاهَا إلَاّ أَن يقرَّ بِهِ، وَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (هولك) ، وَلم يقل: هُوَ أَخُوك، فَيجوز أَن يُرِيد بِهِ: هُوَ مَمْلُوك لَك بِحَق مَا لَك عَلَيْهِ من الْيَد، وَلِهَذَا أَمر سَوْدَة بالاحتجاب مِنْهُ، فَلَو جعله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ابْن زَمعَة لما حجب مِنْهُ أُخْته. وَقَالَت طَائِفَة: مَعْنَاهُ: هُوَ أَخُوك كَمَا ادعيت، قَضَاء مِنْهُ فِي ذَلِك بِعَمَلِهِ، لِأَن زَمعَة كَانَ صهره فَألْحق وَلَده بِهِ لما علمه من فراسته، لَا أَنه قضى بذلك لاستلحاق عبد لَهُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: (هُوَ لَك) ، أَي: بِيَدِك عَلَيْهِ لَا إِنَّك تملكه، وَلَكِن يمنه مِنْهُ كل من سواك، كَمَا قَالَ فِي اللّقطَة: هِيَ لَك تدفع غَيْرك عَنْهَا حَتَّى يَجِيء صَاحبهَا، وَلما كَانَ لعبد شريك وَهُوَ أُخْته سَوْدَة، وَلم يعلم مِنْهَا تَصْدِيق فِي ذَلِك، ألزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عبدا مَا أقرَّ بِهِ على نَفسه، وَلم يَجْعَل ذَلِك حجَّة على أُخْته، فَأمرهَا بالاحتجاب. وَقَالَ الشَّافِعِي: رُؤْيَة ابْن زَمعَة لسودة مُبَاحَة، لكنه كرهه للشُّبْهَة، وأمرها بالتنزه عَنهُ اخْتِيَارا. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: هُوَ لَك ملك، يَعْنِي عبدا لِأَنَّهُ بَان وليدة أَبِيك، وكل أمة تَلد من غير سَيِّدهَا فولدها عبد، وَلم ينْقل فِي الحَدِيث اعْتِرَاف سَيِّدهَا بِوَطْئِهَا، وَلَا شهد بذلك عَلَيْهِ، فَلم يبْق إلَاّ الْقَضَاء بِأَنَّهُ عبد تبيع لأمه، لَا أَنه قضى لَهُ بِبَيِّنَة. وَأجَاب ابْن الْقصار بجوابين: أَحدهمَا: أَنه كَانَ يدعى: عبد بن زَمعَة، أَنه حر وَأَنه أَخُوهُ ولد على فرَاش أَبِيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>