الشَّدِيدَة. قَوْله: (اجْعَلْهَا سِنِين) ، أَي: اجْعَل وطأتك أعواما مُجْدِبَة كَسِنِي يُوسُف، وَهِي الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه: {ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك سبع شَدَّاد} (يُوسُف: ٤٨) أَي: سبع سِنِين فِيهَا قحط وجدب. وَقَوله: (سِنِين) جمع سنة وَهِي الجدب، يُقَال: أخذتهم السّنة إِذا أجدبوا وأقحطوا، وَهِي من الْأَسْمَاء الْغَالِبَة نَحْو: الدَّابَّة فِي الْفرس، وَالْمَال فِي الْإِبِل، وأصل السّنة: سنهة، بِوَزْن: جبهة، فحذفت لامها ونقلت حركتها إِلَى النُّون، وَقيل: أَصْلهَا سنوة بِالْوَاو فحذفت، وَتجمع على: سنهات، فَإِذا جمعتها جمع الصِّحَّة كسرت السِّين، فَقلت: سنُون وسنين، وَبَعْضهمْ يضمها، وَمِنْهُم من يَقُول: سنُون على كل حَال فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، وَتجْعَل الْإِعْرَاب على النُّون الْأَخِيرَة فَإِذا أضفتها على الأول حذفت نون الْجمع للإضافة، وعَلى الثَّانِي لَا تحذفها فَتَقول: سني زيد وسنين زيد.
٢٢ - (بابُ قَوْلِهِ: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إنْ كانَ بِكُمْ أَذَى مِنْ مَطَرٍ أوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أنْ تَضَعُوا أسْلِحَتَكُمْ} (النِّسَاء: ١٠٢)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم} وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي لفظ: بَاب، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم إِن كَانَ بكم أَذَى من مطر} الْآيَة وَقبل قَوْله: {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم} أول الْآيَة قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة} إِلَى قَوْله: {وَلَا جنَاح} وَتَمام الْآيَة بعد قَوْله أسلحتكم {وخذوا حذركُمْ إِن الله أعد للْكَافِرِينَ عذَابا مهينا} وَهَذِه الْآيَة الطَّوِيلَة نزلت فِي صَلَاة الْخَوْف، وأنواعها كَثِيرَة، وَمحل ذكرهَا فِي الْفُرُوع، وَسبب نُزُولهَا مَا ذكره ابْن جرير بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ: سَأَلَ قوم من بني النجار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! إِنَّا نضرب فِي الأَرْض، فَكيف نصلي؟ فَأنْزل الله عز وَجل أَولا: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} (النِّسَاء: ١٠١) الحَدِيث. ثمَّ بَين صفتهَا بقوله: {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة} إِلَى قَوْله: {عذَابا مهينا} . قَوْله: (وَلَا جنَاح عَلَيْكُم) أَي: لَا إِثْم عَلَيْكُم (إِن كَانَ بكم أَذَى من مطر) أَي: بِسَبَب مَا يبلكم من مطر أَو يضعفكم من جِهَة مرض. قَوْله: (أَن تضعوا) أَي: تضعوا. أَي: بِوَضْع الأسلحة لثقلها، وَأمرهمْ مَعَ ذَلِك بِأخذ الحذر لِئَلَّا يغفلوا فيهجم عَلَيْهِم الْعَدو.
٤٥٩٩ - ح دَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ أبُو الحَسَنِ أخبرنَا حَجَّاجٌ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَنِي يَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُمَا {إنْ كانَ بِكُمْ أَذَى مِنْ مَطَرٍ أوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ كَانَ جَرِيحا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحجاج هُوَ ابْن مُحَمَّد الْأَعْوَر أَصله مدنِي سكن المصيصة، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز ابْن جريج، ويعلى، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة. وَفتح اللَّام مَقْصُورا. ابْن مسلمُ بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن الْخَلِيل العباسي، ابْن مُحَمَّد، وَلم يقل كَانَ جريحا.
قَوْله: (عَن ابْن عَبَّاس: إِن كَانَ بكم) يَعْنِي: ذكر ابْن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى: {إِن كَانَ بكم أَذَى من مطر أَو كُنْتُم مرضى} قَالَ: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَانَ جريحا فَنزلت الْآيَة فِيهِ، وفاعل: قَالَ: هُوَ ابْن عَبَّاس، وَقَوله: عبد الرَّحْمَن، مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: كَانَ جريحا. وَالْجُمْلَة مقول ابْن عَبَّاس، وَلَا قَول فِيهِ لعبد الرَّحْمَن، وَقد غمض أَكثر الشُّرَّاح أَعينهم فِي هَذَا الْموضع، وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة وَللَّه الْحَمد.
٢٣ - (بابٌ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتابِ فِي يَتَامَى النِّساء} (النِّسَاء: ١٢٧)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم} الَّذِي ذكر هُنَا إِلَى قَوْله: (فِي يتامى النِّسَاء) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَته عَن غير الْمُسْتَمْلِي. ذكر لفظ بَاب، وَلَيْسَ لغيره لفظ: بَاب.
قَوْله: (ويستفتونك) أَي: يطْلبُونَ مِنْك الْفَتْوَى فِي النِّسَاء. أَي: فِي أَمر النِّسَاء، والفتيا وَالْفَتْوَى بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ جَوَاب الْحَادِثَة، وَقيل: تَبْيِين الْمُشكل من الْكَلَام، وَأَصله من فتي