قَالَ ابْن عَبَّاس خلق الله النَّار على أَرْبَعَة فَنَار تَأْكُل وتشرب ونار لَا تَأْكُل وَلَا تشرب ونار تشرب وَلَا تَأْكُل وَعَكسه فَالْأولى الَّتِي خلقت مِنْهَا الْمَلَائِكَة وَالثَّانيَِة الَّتِي فِي الْحِجَارَة وَقيل الَّتِي رؤيت لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَيْلَة الْمُنَاجَاة وَالثَّالِثَة الَّتِي فِي الْبَحْر وَقيل الَّتِي خلقت مِنْهَا الشَّمْس وَالرَّابِعَة نَار الدُّنْيَا ونار جَهَنَّم تَأْكُل لحومهم وعظامهم وَلَا تشرب دموعهم وَلَا دِمَاءَهُمْ بل يسيل ذَلِك إِلَى طين الخبال وَأخْبر الشَّارِع أَن عصارة أهل النَّار شراب من مَاتَ مصرا على شرب الْخمر وَالَّذِي فِي الصَّحِيح أَن نَار الدُّنْيَا خلقت من نَار جَهَنَّم. وَقَالَ ابْن عَبَّاس ضربت بِالْمَاءِ سبعين مرّة وَلَوْلَا ذَلِك مَا انْتفع بهَا الْخَلَائق وَإِنَّمَا خلقهَا الله تَعَالَى لِأَنَّهَا من تَمام الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة وفيهَا تذكرة لنار الْآخِرَة وتخويف من عَذَابهَا (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ اسْتِحْبَاب الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ عِنْد اشتداد الْحر فِي الصَّيف وَفِيه أَن جَهَنَّم مخلوقة الْآن خلافًا لمن يَقُول من الْمُعْتَزلَة أَنَّهَا تخلق يَوْم الْقِيَامَة. وَفِيه أَن الشكوى تتَصَوَّر من جماد وَمن حَيَوَان أَيْضا كَمَا جَاءَ فِي معجزات النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شكوى الْجذع وشكوى الْجمل على مَا عرف فِي مَوْضِعه. وَفِيه أَن المُرَاد من قَوْله " فأبردوا بِالصَّلَاةِ " هُوَ صَلَاة الظّهْر كَمَا ذَكرْنَاهُ
٥٣٨ - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَش قَالَ حدَّثنا أبُو صَالِحٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ منْ فَيْحِ جَهَنَّمَ. (الحَدِيث ٥٣٨ طرفه فِي: ٣٢٥٩) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد تقدمُوا غير مرّة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان بن مهْرَان وَأَبُو صَالح ذكْوَان.
وَمن لطائف إِسْنَاده أَن فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، والعنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة، وَبَين حَدِيث خباب (شَكَوْنَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حر الرمضاء فَلم يشكنا) ، رَوَاهُ مُسلم؛ فَقَالَ بَعضهم: الْإِبْرَاد رخصَة والتقديم أفضل، وَقَالَ بَعضهم: حَدِيث خباب مَنْسُوخ بالإبراد، وَإِلَى هَذَا مَال أَبُو بكر الْأَثْرَم فِي كتاب (النَّاسِخ والمنسوخ) وَأَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، وَقَالَ: وجدنَا ذَلِك فِي حديثين أَحدهمَا حَدِيث الْمُغيرَة: (كُنَّا نصلي بالهاجرة فَقَالَ لنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبردوا) . فَتبين بهَا أَن الْإِبْرَاد كَانَ بعد التهجير، وَحَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِذا كَانَ الْبرد بَكرُوا، وَإِذا كَانَ الْحر أبردوا. وَحمل بَعضهم حَدِيث خباب على أَنهم طلبُوا تَأْخِيرا زَائِدا على قدر الْإِبْرَاد. وَقَالَ أَبُو عمر فِي قَول خباب: فَلم يشكنا، يَعْنِي: لم يحوجنا إِلَى الشكوى، وَقيل: لم يزل شكوانا، وَيُقَال: حَدِيث خباب كَانَ بِمَكَّة، وَحَدِيث الْإِبْرَاد بِالْمَدِينَةِ، فَإِن فِيهِ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ الْخلال فِي (علله) عَن أَحْمد: آخر الْأَمريْنِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِبْرَاد.
تابَعَهُ سُفْيَانُ وَيَحْيَى وأبُو عَوَانَةَ عنِ الأَعْمَشِ
أَي: تَابع حَفْص بن غياث وَالِد عمر الْمَذْكُور سُفْيَان الثَّوْريّ، وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي صفة الصَّلَاة عَن الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان ابْن سعيد. قَوْله: (وَيحيى) ، أَي: تَابع حفصا أَيْضا يحيى بن سعيد الْقطَّان، وَقد وَصله أَحْمد فِي (مُسْند) عَنهُ بِلَفْظ: الصَّلَاة، وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي يعلى عَن الْمقدمِي عَن يحيى بِلَفْظ: بِالظّهْرِ، وروى الْخلال عَن الْمَيْمُونِيّ عَن أَحْمد عَن يحيى وَلَفظه: (فوح جَهَنَّم) . وَقَالَ أَحْمد: مَا أعرف أَن أحدا قَالَ: بِالْوَاو، وَغير الْأَعْمَش. قَوْله: (وَأَبُو عوَانَة) أَي: تَابع حفصا أَيْضا أَبُو عوَانَة الوضاح ابْن عبد الله، وَأَرَادَ بمتابعة سُفْيَان الثَّوْريّ وَيحيى الْقطَّان وَأبي عوَانَة لحفص بن غياث فِي روايتهم عَن الْأَعْمَش فِي لفظ: (أبردوا بِالظّهْرِ) .
١٠ - (بابُ الإبْرَادِ بِالظُهْرِ فِي السفَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْإِبْرَاد بِصَلَاة الظّهْر فِي حَالَة السّفر، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ لَا يخْتَص بالحضر.
٥٣٩ - حدَّثنا آدَمُ بنُ إياسٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا مُهاجرٌ أبُو الحَسَنِ مَولًى لِ بَنِي تَيْمِ الله قَالَ سَمِعتُ زَيْدَ بنَ وَهَبٍ عنْ أبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ قَالَ كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute