وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف مثل الثَّمَانِية الأضراس، وأولها من مقدم الْفَم الثنايا ثمَّ الرباعيات ثمَّ الأنياب ثمَّ الضواحك ثمَّ الأرحاء وَكلهَا رباع إثنان من فَوق وَاثْنَانِ من أَسْفَل. قَوْله: (يخْتَلف) أَي: يَجِيء وَيذْهب. قَوْله: (فِي الْمِجَن) ، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الترس. قَوْله: (فأحرقتها) أَي: الْحَصِير، وَإِنَّمَا ذكرهَا بالتأنيث باعتار الْقطعَة مِنْهُ. قَوْله: (فرقأ) مَهْمُوز أَي: سكن.
وَقَالَ الْمُهلب فِيهِ: إِن قطع الدَّم بالرماد من الْمَعْلُوم الْقَدِيم الْمَعْمُول بِهِ لَا سِيمَا إِذا كَانَ الْحَصِير من ديس السعد فَهِيَ مَعْلُومَة بِالْقَبْضِ وَطيب الرَّائِحَة، فالقبض يسد أَفْوَاه الْجرْح وَطيب الرَّائِحَة يذهب بزهم الدَّم، وَأما غسل الدَّم أَولا فَيَنْبَغِي أَن يكون إِذا كَانَ الْجرْح غير غائر، أما إِذا كَانَ غائراً فَلَا يُؤمن ضَرَر المَاء إِذا صب فِيهِ. قلت: بعد الإحراق هَل يبْقى طيب الرَّائِحَة؟
٢٨ - (بابٌ الحمَّى مِنْ فَيْحِ جَهنَّم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الْحمى من فيح جَهَنَّم، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبحاء مُهْملَة، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث رَافع آخر الْبَاب من فوح بِالْوَاو، وَتقدم فِي صفة النَّار بِلَفْظ فَور بالراء بدل الْحَاء وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الفيح والفوح لُغَتَانِ، يُقَال: فاحت رَائِحَة الْمسك تفيح وتفوح فيحاً وفوحاً وفووحاً، وَلَا يُقَال: فاحت ريح خبيثة. وَيجوز أَن يكون قَوْله: (من فيح جَهَنَّم) حَقِيقَة، وَيكون اللهب الْحَاصِل فِي جسم المحموم قِطْعَة من جَهَنَّم، وَقدر الله ظُهُورهَا بِأَسْبَاب تقتضيها لتعتبر الْعباد بذلك، كَمَا أَن أَنْوَاع الْفَرح وللذة من نعيم الْجنَّة أظهرها الله فِي هَذِه الدَّار عِبْرَة وَدلَالَة، وَيجوز أَن يكون من بَاب التَّشْبِيه على معنى أَن حر الْحمى شَبيه بَحر جَهَنَّم تَنْبِيها للنفوس على شدَّة حر النَّار. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ وَهُوَ شيخ شَيْخي: من، لَيست بَيَانِيَّة حَتَّى يكون تَشْبِيها، وَهِي إِمَّا ابتدائية أَي: الْحمى نشأت وحصلت من فيح جَهَنَّم، أَو تبعيضية أَي: بعض مِنْهَا، وَيدل على هَذَا مَا ورد فِي (الصَّحِيح) : اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا، فَقَالَت: رب أكل بَعْضِي بَعْضًا، فَأذن لَهَا بنفسين: نفس فِي الشتَاء وَنَفس فِي الصَّيف ... الحَدِيث، فَكَمَا أَن حرارة الصَّيف أثر من فيحها كَذَلِك الْحمى.
٥٧٢٣ - حدّثني يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ حدّثني ابنُ وهبٍ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الحَمَّى مِنْ فَيْحِ جَهنَّمَ فأطْفِئُوها بالماءِ.
قَالَ نافِعٌ: وكانَ عبْدُ الله يَقُولُ: اكْشِفْ عنَّا الرِّجْزَ. (انْظُر الحَدِيث ٣٢٦٤) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن مصر وروى عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن هَارُون بن سعيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحَارِث بن مِسْكين.
قَوْله: (فأطفئوها) بِهَمْزَة قطع من الإطفاء وَلما كَانَ الْحمى من فيح جَهَنَّم وَهُوَ سطوع حرهَا ووهجه، وَالنَّار تطفأ بِالْمَاءِ كَذَلِك حرارة الْحمى تزَال بِالْمَاءِ، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الإطفاء والإبراد تحقن الْحَرَارَة فِي الْبَاطِن فتزيد الْحمى وَرُبمَا تهْلك الْجَواب أَن أَصْحَاب الصِّنَاعَة الطبية يسلمُونَ أَن الْحمى الصفراوية صَاحبهَا يسْقِي المَاء الْبَارِد وَيغسل أَطْرَافه بِهِ.
قَوْله: (قَالَ نَافِع وَكَانَ عبد الله) أَي: ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذَا مَوْصُول بالسند الَّذِي قبله. قَوْله: (اكشف عَنَّا الرجز) أَي: الْعَذَاب، وَلَا شكّ أَن الْحمى نوع مِنْهُ.
٥٧٢٤ - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ هِشام عنْ فاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ أنَّ أَسْماءَ بِنْتَ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، كانَتْ إذَا أُتِيَتْ بالمْرأةِ قَدْحُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أخَذَتِ الماءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَها وبَيْنَ جَيْبِها. قالَتْ: وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأمُرُنا أنْ نَبْرُدَها بالماءِ.
مطابقته للْحَدِيث السَّابِق فِي قَوْله: (فاطفئوها بِالْمَاءِ) والمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء.
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة، وَفَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير، وَهِي بنت عَمه وَزَوجته، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر جدتيهما لأبويهما مَعًا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هَارُون بن إِسْحَاق. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة