عبد الله بن سَلام يَد الْمِدْرَاس عَن آيَة الرَّجْم. قَوْله: (فَرُجِمَا) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجمهما بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا رجمهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا أوحى إِلَيْهِ من أمره، وَإِنَّمَا احْتج عَلَيْهِم بِالتَّوْرَاةِ استظهارا للحجة وإحياءً لحكم الله تَعَالَى الَّذِي كَانُوا يكتمونه. قَوْله: (من حَيْثُ مَوضِع الْجَنَائِز عِنْد الْمَسْجِد) ، وَفِي رِوَايَة: عِنْد البلاط، وهما متقاربان. قَوْله: (يحنأ) بِالْجِيم. قَالَ ابْن الْأَثِير: يَعْنِي أكب عَلَيْهَا. وَقيل: هُوَ مَهْمُوز. وَقيل: الأَصْل فِيهِ الْهَمْز من جنأ يجنأ إِذا مَال عَلَيْهِ وَعطف ثمَّ خفف وَهُوَ لُغَة، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: ياؤه مَفْتُوحَة وجيمه سَاكِنة، يُقَال: جنى الرجل على الشَّيْء إِذا أكب عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ بَعضهم بِضَم الْيَاء، وَرُوِيَ: يجاني من جانى يجاني. وَقيل: رُوِيَ بجيم ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ همزَة، أَي: يرْكَع. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْمَحْفُوظ بِالْحَاء وَالنُّون، يُقَال: حنا يحنو وحنوا وَرُوِيَ بِالْحَاء وَتَشْديد النُّون، وَقَالَ يحيى بن يحيى: بحاء وَنون مَكْسُورَة بِغَيْر همزَة وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: عِنْد أهل الحَدِيث يجني بِالْحَاء، وَعند أهل اللُّغَة بِالْجِيم. قَوْله: (يَقِيهَا) أَي: يحفظها من وقى يقي وقاية، وَفِي الحَدِيث الحكم بَين أهل الذِّمَّة، وَفِي (التَّوْضِيح) الْأَصَح عندنَا وُجُوبه وفَاقا لأبي حنيفَة. وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالثَّوْري وَالْحكم. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِن كَانَ مَا رَفَعُوهُ إِلَى الإِمَام ظلما كَالْقَتْلِ وَالْغَصْب بَينهم فَلَا خلاف فِي مَنعهم مِنْهُ، وَنقل عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ أَنه بِالْخِيَارِ بَين الحكم بَينهم وَتَركه غير أَن مَالِكًا يرى الْإِعْرَاض أولى، وَنقل عَن الشَّافِعِي أَنه لَا يحكم بَينهم فِي الْحُدُود، وَفِيه أَن أنكحة الْكفَّار صَحِيحَة وَلذَلِك رجمهما وَهُوَ الْأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة وَفِيه دَلِيل على أَنه لَا يحْفر لمن رجم إِذْ لَو حفر لَهُ لما اسْتَطَاعَ أَن يجنا عَلَيْهَا، لَكِن فِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث بُرَيْدَة أَنه حفر لما عز والغامدية إِلَى صدرها. وَقيل: يحْفر لمن قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة دون الْمقر.
٧ - (بابٌ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمرَان: ١١٠)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: (كُنْتُم خير أمة) أَي: وجدْتُم خير أمة وَقيل: كُنْتُم فِي علم الله خير أمة. وَقيل: كُنْتُم فِي الْأُمَم قبلكُمْ مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين بِهِ وروى عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس: هم الَّذين هَاجرُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وروى الطَّبَرِيّ عَن السّديّ، قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: لَو شَاءَ الله عز وَجل لقَالَ: أَنْتُم خير أمة، وَلَو قَالَ لَكنا كلنا وَلَكِن هَذَا خَاص بالصحابة وَمن صنع مثل مَا صَنَعُوا كَانُوا خير أمة وَقَالَ الواحدي: إِن رُؤُوس الْيَهُود، وَعدد مِنْهُم جمَاعَة مِنْهُم ابْن صوريا، عَمدُوا إِلَى مؤمنيهم، عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه، فآذوهم لإسلامهم، فَنزلت وَقَالَ مقَاتل: نزلت فِي أبي ومعاذ وَابْن مَسْعُود وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة وَذَلِكَ أَن مَالك بن الضَّيْف ووهب بن يهودا قَالَا للْمُسلمين ديننَا خير مِمَّا تدعوننا إِلَيْهِ وَنحن خير، وأوصل مِنْكُم فَنزلت. وَيُقَال: هَذَا الْخطاب للصحابة وَهُوَ يعم سَائِر الْأمة قَوْله: (أخرجت) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَي: أظهرت. قَوْله: (للنَّاس) يَعْنِي: خير النَّاس للنَّاس، وَالْمعْنَى أَنهم خير الْأُمَم وأنفع النَّاس للنَّاس، وَلِهَذَا قَالَ: (تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر) وَهَذَا هُوَ الشَّرْط فِي هَذِه الْخَيْرِيَّة وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: تأمرون، كَلَام مُسْتَأْنف بيَّن بِهِ كَونهم خير أمة.
٤٥٥٧ - ح دَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ عنْ سُفْيَانَ عنْ مَيْسَرَةَ عنْ أبِي حَازِمٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قَالَ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَلاسِلِ فِي أعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإسْلامِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن يُوسُف أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وميسرة ضد الميمنة ابْن عمار الْأَشْجَعِيّ الْكُوفِي، وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر تقدم فِي بَدْء الْخلق، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي هُوَ سلمَان الْأَشْجَعِيّ. والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله المَخْزُومِي.
قَوْله: (خير النَّاس) ، أَي: خير بعض النَّاس لبَعْضهِم وأنفعهم لَهُم من يَأْتِي بأسير مُقَيّد فِي السلسلة إِلَى دَار الْإِسْلَام فَيسلم، وَإِنَّمَا كَانَ خيرا لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ صَار مُسلما، وَحصل أَصله جَمِيع السعادات الدنياوية والأخراوية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute