للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الزِّنَا لَا يخْتَص إِطْلَاقه بالفرج بل يُطلق على مَا دون الْفرج، فزنا الْعين النّظر وزنا اللِّسَان الْمنطق، على مَا يَأْتِي بَيَانه فِي حَدِيث الْبَاب.

٦٢٤٣ - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ عَنِ ابنِ طاوُوسٍ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ أرَ شَيْئاً أشْبَهَ باللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ.

(ح) حدّثني مَحْمُودٌ أخبرَنا عَبْدُ الرَّزَّقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابنِ طاوُوسٍ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رأيْتُ شَيْئاً أشْبَهَ باللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ الله كَتَبَ على ابنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنا أدْرَكَ ذالِكَ لَا مَحالَةَ، فَزِنا العَيْنِ النّظَرِ، وزنا اللِّسانِ المَنْطقُ والنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذالِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ. (انْظُر الحَدِيث ٦٢٤٣ طرفه فِي: ٦٦١٢) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فزنا الْعين النّظر)

إِلَى آخِره. وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.

الأول فِي رِجَاله: الْحميدِي هُوَ عبد الله ابْن الزبير بن عِيسَى الْمَنْسُوب إِلَى أحد أجداده، وَحميد مصغر حمد وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله، وطاووس هُوَ ابْن كيسَان الْهَمدَانِي، ومحمود هُوَ ابْن غيلَان، وَعبد الرَّزَّاق هُوَ ابْن همام، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد.

الثَّانِي: أَنه اقْتصر أَولا على قَول أبي هُرَيْرَة بقول ابْن عَبَّاس من طَرِيق سُفْيَان مَوْقُوفا، ثمَّ عطف عَلَيْهِ رِوَايَة معمر عَن ابْن طَاوُوس فساقه مَرْفُوعا بِتَمَامِهِ.

الثَّالِث فِي مَعْنَاهُ: فَقَوله: (اللمم) مَا يلم بِهِ الشَّخْص من شهوات النَّفس، وَقيل: هُوَ المقارب من الذُّنُوب، وَقيل: هُوَ صغائر الذُّنُوب. قَوْله: (كتب) أَي: قدر. قَوْله: (حَظه) أَي: نصِيبه مِمَّا قدر عَلَيْهِ. قَوْله: (لَا محَالة) بِفَتْح الْمِيم أَي: لَا حِيلَة لَهُ فِي التَّخَلُّص من إِدْرَاك مَا كتب عَلَيْهِ، وَلَا بُد من ذَلِك. قَوْله: (الْمنطق) بِالْمِيم ويروى: النُّطْق، بِلَا مِيم. قَوْله: (تمنى) أَصله: تتمنى، فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {نَارا تلظى} أَي: تتلظى. قَوْله: (والفرج يصدق ذَلِك) الْمَذْكُور من زنا الْعين وزنا اللِّسَان، والتصديق بِالْفِعْلِ والتكذيب بِالتّرْكِ. وَقيل: التَّصْدِيق والتكذيب من صِفَات الْإِخْبَار فَمَا مَعْنَاهُمَا هَاهُنَا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لما كَانَ التَّصْدِيق هُوَ الحكم بمطابقة الْخَبَر للْوَاقِع، والتكذيب الحكم بعدمها، فَكَأَنَّهُ هُوَ الْموقع أَو الدّفع فَهُوَ تَشْبِيه، أَو لما كَانَ الْإِيقَاع مستلزماً للْحكم بهَا عَادَة فَهُوَ كِنَايَة.

الرَّابِع: فِيمَا يتَعَلَّق بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ. فَقَوله: (زنا الْعين) يَعْنِي: فِيمَا زَاد على النظرة الأولى الَّتِي لَا يملكهَا، فَالْمُرَاد النظرة على سَبِيل اللَّذَّة والشهوة، وَكَذَلِكَ زنا الْمنطق فِيمَا يلتذ بِهِ من محادثة مَا لَا يحل لَهُ ذَلِك مِنْهُ، (وَالنَّفس تمنى ذَلِك وتشتهيه) فَهَذَا كُله يُسمى زنا لِأَنَّهُ من دواعي الزِّنَا الْفرج، وَقَالَ الْمُهلب: كل مَا كتبه الله عز وَجل على ابْن آدم فَهُوَ سَابق فِي علم الله لَا بُد أَن يُدْرِكهُ الْمَكْتُوب، وَأَن الْإِنْسَان لَا يملك دفع ذَلِك عَن نَفسه، غير أَن الله تَعَالَى تفضل على عباده وَجعل ذَلِك لمماً وصغائر لَا يُطَالب بهَا عباده إِذا لم يكن لِلْفَرجِ تَصْدِيق لَهَا، فَإِذا صدق الْفرج كَانَ ذَلِك من الْكَبَائِر، واحتيج أَشهب بقوله: (والفرج يصدق ذَلِك ويكذبه) أَنه إِذا قَالَ: زنى يدك أَو رجلك لَا يحد، وَخَالفهُ ابْن الْقَاسِم وَفِي التَّوْضِيح: وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا قَالَ زنت يدك يحد، وَاعْترض عَلَيْهِ بعض من عاصرناه من الشَّافِعِيَّة، وَالأَصَح أَن هَذَا كِنَايَة، فَفِي الرَّوْضَة إِذا قَالَ زنت يدك أَو عَيْنك أَو رجلك أَو يداك أَو عَيْنَاك فكناية على الْمَذْهَب وَبِه قطع الْجُمْهُور يَعْنِي من الشَّافِعِيَّة.

١٣ - (بابُ التَّسْلِيمِ والاسْتِئْذَانِ ثَلاثاً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن التَّسْلِيم والاستئذان يَنْبَغِي أَن يكون ثَلَاث مَرَّات سَوَاء كَانَا مقترنين أَو مفترقين. وَقَالَ الْمُهلب: وَذَلِكَ للْمُبَالَغَة فِي الإفهام والإسماع، وَقد أورد الله تَعَالَى ذَلِك فِي الْقُرْآن، فكرر الْقَصَص، وَالْأَخْبَار والأوامر ليفهم عباده أَن يتدبر السَّامع فِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة مَا لم يتدبر فِي الأولى، وليرسخ ذَلِك فِي قُلُوبهم، وَالْحِفْظ إِنَّمَا هُوَ بتكرير الدراسة للشَّيْء الْمرة بعد الْمرة، وتكراره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْكَلِمَة يحْتَمل أَن يكون تَأْكِيدًا، أَو أَن يكون علم أَو شكّ هَل فهم عَنهُ؟ فكرر الثَّانِيَة فَزَاد الثَّالِثَة لاستحبابه الْوتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>