جِئْتُ تَخْطَبُها؟ وَوَاللَّه لَا تَعُودُ إليْكَ أبَدَا وكانَ رجُلاً لَا بأْسَ بهِ وكانَتِ المَرْأةُ تُرِيدُ أنْ ترْجعَ إليْه، فأنْزلَ الله هاذِهِ الآيةَ: { (٢) فَلَا تعضلوهن} (الْبَقَرَة: ٢٣٢) فَقُلتُ: الآنَ أفْعلُ يَا رسُولَ الله، قَالَ: فزَوَّجَها إيَّاهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة عِنْد من لَا يرى النِّكَاح إلَاّ بولِي، وَلمن يجوز لَهَا أَن نزوج نَفسهَا بِنَفسِهَا أَن يَقُول: هَذَا الحَدِيث لَا يدل على مَا تذهبون إِلَيْهِ لِأَن قَوْله: (زوجت أُخْتا لي) لَا يدل على أَنه زَوجهَا بِغَيْر رِضَاهَا.
قَوْله: (لَا تعود إِلَيْك أبدا) خَارج مخرج الْعَادة فِي الْكَلَام الرِّجَال فِيمَن يتَعَلَّق بهم من النِّسَاء، وَأما قَوْله: {فَلَا تعضلوهن} (الْبَقَرَة: ٢٣٢) فَيدل عَليّ أَن الْولَايَة لَهَا مَا لَا يخفي.
وَأحمد بن أبي عَمْرو هُوَ النَّيْسَابُورِي قاضيها يكنى أَبَا عَليّ، وَقد مر فِي الْحَج وَهُوَ يرْوى عَن أَبِيه أبي عَمْرو اسْمه حَفْص بن عبد الله بن رَاشد النَّيْسَابُورِي وَهُوَ من أَفْرَاده يروي عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن يوسن بن عبيد بن دِينَار الْبَصْرِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَمَعْقِل، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف: ابْن يسَار، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة: ابْن عبد الله الْمُزنِيّ، سكن الْبَصْرَة وابتنى بهَا دَارا وَإِلَيْهِ ينْسب نهر معقل بِالْبَصْرَةِ، شهد بيعَة الْحُدَيْبِيَة وَتُوفِّي بِالْبَصْرَةِ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة، وَقد قيل: إِنَّه توفّي فِي أَيَّام يزِيد بن مُعَاوِيَة.
وَمر الحَدِيث فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة مُعَلّقا، وَمر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب مفصلا.
قَوْله: (زوجت أُخْتا لي) اسْمهَا جميل بِالْجِيم مُصَغرًا بنت يسَار، وَقيل بِغَيْر تَصْغِير حكى الْبَيْهَقِيّ، أَن اسْمهَا ليلى، وَتَبعهُ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ، وَوَقع عِنْد ابْن إِسْحَاق أَن اسْمهَا فَاطِمَة، وَاسم الرجل الَّذِي تَحْتَهُ جميل أَبُو البداح بن عَاصِم بن عدي الْقُضَاعِي حَلِيف الْأَنْصَار، وَقيل: أَبُو البداح لقب غلب عَلَيْهِ وكنيته أَبُو عَمْرو، وَقيل: أَبُو بكر، وَالْأول أَكثر، وَقد اخْتلف فِي صحبته فَقيل: الصُّحْبَة لِأَبِيهِ وَهُوَ من التَّابِعين، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَذَا الحَدِيث يصحح صحبته، والبداح بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة. قَوْله: (يخطبها) من الْأَحْوَال الْمقدرَة. قَوْله: (وفرشتك) أَي: جَعلتهَا لَك فراشا، يُقَال: فرشت الرجل إِذا فرشت لَهُ. قَوْله: (وَكَانَ رجلا لَا بَأْس بِهِ) أَي: كَانَ جيدا.
٧٣ - (بابٌ إذَا كانَ الوَلِيُّ هُوَ الخَاطِبَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا كَانَ الْوَلِيّ فِي النِّكَاح هُوَ الْخَاطِب، وَقَالَ بَعضهم: أَي هَل يُزَوّج نَفسه أم يحْتَاج إِلَى ولي آخر؟ قلت: هَذِه التَّرْجَمَة قطّ لَا تَقْتَضِي مَا قَالَه، بل الَّذِي يفهم مِنْهَا أَن الْوَلِيّ إِذا كَانَ الْخَاطِب هَل يجوز أم لَا؟ فأبهم وَلَكِن الْآثَار الَّتِي ذكرهَا تدل على الْجَوَاز أما أثر عَطاء فَإِنَّهُ يدل صَرِيحًا على أَنه يجوز، وَأما بَقِيَّة الْآثَار، فَإِن كَانَ فِيهَا أَمر الْوَلِيّ غَيره بِأَن تزَوجه فَلَيْسَ فِيهَا مَا يدل على الْمَنْع صَرِيحًا من تَزْوِيجه نَفسه، فَافْهَم.
وخَطَبَ المغِيرَةُ بنُ شُعْبَة امْرَأةً هُوَ أوْلى النّاسِ بِها، فأمَرَ رَجُلاً فَزَوَّجَهُ
هَذَا الْأَثر وَصله وَكِيع فِي مُصَنفه، وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه عَن الثَّوْريّ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة وَهُوَ وَليهَا، فَجعل أمرهَا إِلَى رجل، والمغيرة أولى مِنْهُ فَزَوجهُ. وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق الشّعبِيّ وَلَفظه: أَن الْمُغيرَة خطب بنت عَمه عُرْوَة بن مَسْعُود فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبي عقيل، فَقَالَ: زوجنيها، فَقَالَ: مَا كنت لأَفْعَل، أَنْت أَمِير الْبَلَد وَابْن عَمها، فَأرْسل الْمُغيرَة إِلَى عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ فَزَوجهَا مِنْهُ، وَقد أوضح فِيهِ اسْم الرجل الميهم فِي الْأَثر الْمَذْكُور.
وَقَالَ عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ لِأمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قارِظٍ: أتَجْعَلِينَ أمْرَك إلَيَّ؟ قالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ
هَذَا الْأَثر وَصله ابْن سعد من طَرِيق ابْن أبي ذئي عَن سعيد بن خَالِد أَن أم حَكِيم بنت قارظ قَالَت لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إِنَّه قد خطبني غير وَاحِد فَزَوجنِي أَيهمْ رَأَيْت، فَقَالَ: وتجعلين ذَلِك إِلَيّ؟ فَقَالَت: نعم. قَالَ: قد تَزَوَّجتك. قَالَ ابْن أَب ذِئْب: فَجَاز نِكَاحه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَإِدْخَال البُخَارِيّ هَذِه الصُّورَة فِي هَذِه التَّرْجَمَة مشعرة بِأَن عبد الرَّحْمَن كَانَ وَليهَا يُوَجه من وُجُوه الولايات. انْتهى. قلت: قَوْله: (أتجعلين أَمرك إِلَيّ) تَفْوِيض مِنْهَا، وَهُوَ الْوكَالَة وَلَا يفهم مِنْهُ إلَاّ أَنه وَكيل، وَلَا يفهم أَنه وَليهَا.