النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ أرَهُ مُفْطِرَاً إلَاّ يَوْمَ فِطْر أوْ أضْحًى.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وثابت، بالثاء الْمُثَلَّثَة: ابْن أسلم أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ الْبنانِيّ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى وَكسر الثَّانِيَة: نِسْبَة إِلَى بنانة، وهم ولد سعد بن لؤَي، وبنانة زَوْجَة سعد، وَقيل: كَانَت أمة لَهُ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده وَأَبُو طَلْحَة زوج أم أنس، واسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَة اعْتمد على قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تقووا لعدوكم بالإفطار وَكَانَ فَارس الْحَرْب وَمن لَهُ الِاجْتِهَاد فِيهَا، فَلذَلِك كَانَ يفْطر ليتقوى على الْعَدو، وَهَذَا يدل على فضل الْجِهَاد على سَائِر أَعمال التَّطَوُّع، فَلَمَّا مَاتَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَوي الْإِسْلَام واشتدت وطأته على الْعَدو، وَرَأى أَنه فِي سَعَة عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من الْجِهَاد، رأى أَن يَأْخُذ بحظه من الصَّوْم ليجمع لَهُ هَاتَانِ الطاعتان العظيمتان، وليدخل يَوْم الْقِيَامَة من بَاب الريان.
قَوْله:(لم أره مُفطرا) هَذَا من كَلَام أنس، أَي: لم أر أَبَا طَلْحَة يفْطر (إِلَّا يَوْم فطر أَو أضحى) أَي: أَو يَوْم أضحى، وَكَانَ لَا يصومهما للنَّهْي الْوَارِد فِيهِ، وَيدخل فِيهِ صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق. قَالُوا: هَذَا خلاف مَا كَانَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء. فَإِن قلت: روى الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس: أَن أَبَا طَلْحَة أَقَامَ بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ سنة لَا يفْطر إلَاّ يَوْم فطر أَو أضحى. قلت: هُنَا مأخذان على الْحَاكِم. أَحدهمَا: أَن أصل الحَدِيث فِي البُخَارِيّ، فَلَا يَصح الِاسْتِدْرَاك. وَالْآخر: أَن هَذَا الْمِقْدَار الَّذِي ذكره فِي حَيَاته بعد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ لم يَعش بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَاّ ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَعشْرين سنة، وَصرح بَعضهم بِأَن الزِّيَادَة فِي مِقْدَار حَيَاته بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غلط. قلت: التَّصْرِيح بالغلط غلط، لِأَن أَبَا عمر، قَالَ: قَالَ أَبُو زرْعَة: عَاشَ أَبُو طَلْحَة بِالشَّام بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ سنة يسْرد الصَّوْم، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: سَمِعت أَبَا نعيم يذكر ذَلِك عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس، أَنه يَعْنِي: أَن أَبَا طَلْحَة سرد الصَّوْم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ سنة.
٠٣ - (بابٌ الشَّهادَةُ سَبْعٌ سِوَى القَتْلِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الشَّهَادَة سبع أَي: سَبْعَة أَنْوَاع، وَكَونهَا سبعا بِاعْتِبَار الشُّهَدَاء، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث جَابر بن عتِيك عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الشُّهَدَاء سَبْعَة أَنْوَاع سوى الْقَتْل فِي سَبِيل الله تَعَالَى: المطعون شَهِيد، والغريق شَهِيد، وَصَاحب ذَات الْجنب، شَهِيد، والمبطون شَهِيد، والحريق شَهِيد، وَالَّذِي يَمُوت تَحت الْهدم شَهِيد، وَالْمَرْأَة تَمُوت بِجمع شَهِيد ... الحَدِيث ... فِي (الْمُوَطَّأ) . قَوْله:(بِجمع) ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْمِيم وَفِي آخِره عين مهلمة: بِمَعْنى الْمَجْمُوع، كالذخر بِمَعْنى المذخور، وَهُوَ أَن تَمُوت الْمَرْأَة وَفِي بَطنهَا ولد، وَقيل: الَّتِي تَمُوت بكرا، وَكسر الْكسَائي الْجِيم. وَفِي حَدِيث الْبَاب: الشُّهَدَاء خَمْسَة على مَا يَأْتِي. وروى الْحَارِث بن أبي أُسَامَة من حَدِيث أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الشُّهَدَاء ثَلَاثَة: رجل خرج بِنَفسِهِ وَمَاله صَابِرًا محتسباً لَا يُرِيد أَن يقتل وَلَا يقتل، فَإِن مَاتَ أَو قتل غفرت لَهُ ذنُوبه كلهَا، ويجار من عَذَاب الْقَبْر، ويؤمن من الْفَزع الْأَكْبَر، ويزوج من الْحور الْعين، ويخلع عَلَيْهِ حلَّة الْكَرَامَة، وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْخلد. وَالثَّانِي: رجل خرج بِنَفسِهِ وَمَاله محتسباً يُرِيد أَن يقتل وَلَا يقتل، فَإِن مَاتَ أَو قتل كَانَت ركبته وركبة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بَين يَدي الله، عز وَجل، فِي مقْعد صدق. وَالثَّالِث: رجل خرج بِنَفسِهِ وَمَاله محتسباً يُرِيد أَن يقتل أَو يقتل، فَإِن مَاتَ أَو قتل فَإِنَّهُ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة شاهراً سَيْفه وَاضعه على عَاتِقه وَالنَّاس جاثون على الركب، يَقُول: أفسحوا لنا فَإنَّا قد بذلنا دماءنا لله، عز وَجل، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو قَالَ ذَلِك لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو لنَبِيّ من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، لتنحى لَهُم عَن الطَّرِيق لما يرى من حَقهم، وَلَا يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ، وَلَا يشفع فِي أحد إلَاّ شفع فِيهِ وَيُعْطى فِي الْجنَّة مَا أحب ... الحَدِيث بِطُولِهِ.
وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث فضَالة بن عبيد، يَقُول: سَمِعت عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الشُّهَدَاء أَرْبَعَة: رجل مُؤمن جيد الْإِيمَان لَقِي الْعَدو فَصدق الله حَتَّى قتل، فَذَاك الَّذِي يرفع النَّاس إِلَيْهِ أَعينهم يَوْم الْقِيَامَة، هَكَذَا، وَرفع رَأسه حَتَّى وَقعت قلنسوته، فَمَا أَدْرِي أقلنسوة عمر أَرَادَ أم قلنسوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: وَرجل مُؤمن جيد الْإِيمَان لَقِي الْعَدو فَكَأَنَّمَا ضرب جلده بشوك طلح من الْجُبْن أَتَاهُ سهم غرب فَقتله، فَهُوَ فِي الدرجَة الثَّانِيَة. وَرجل مُؤمن خلط عملا صَالحا فَصدق الله حَتَّى قتل فَذَاك، فِي الدرجَة الثَّالِثَة،