للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ: من يمنعك أَنْت مني الْيَوْم؟ قل: لَا أحد، فَقَالَ: قُم فَاذْهَبْ لشأنك، فَلَمَّا ولى قَالَ: أَنْت خير مني، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أَحَق بذلك مِنْك، ثمَّ أسلم بعد. وَفِي لفظ، قَالَ: وَأَنا أشهد أَن لَا إلاه إلَاّ الله وَأَنَّك رَسُول الله، ثمَّ أَتَى قومه فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام. وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: فَسقط السَّيْف من يَد الْأَعرَابِي، فَأَخذه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: من يمنعك مني؟ قَالَ: كن خير آخذ. قَالَ: فتسلم؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن أعاهدك على أَن لَا أقاتلك وَلَا أكون مَعَ قوم يقاتلونك، فخلَّى سَبيله، فَأتى أَصْحَابه فَقَالَ: جِئتُكُمْ من عِنْد خير النَّاس. قَوْله: (اخْتَرَطَ) ، أَي: سل، وَأَصله من خرطت الْعود أخرطه وأخرطه خرطاً، قَوْله: (صَلتا) رُوِيَ بِالنّصب وبالرفع. فَوجه النصب أَن يكون على الْحَال، أَي: مُصْلِتًا وَوجه الرّفْع على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ، وَهُوَ قَوْله: سيف، وَفِي يَده، مُتَعَلق بِهِ، وَفِي (التَّوْضِيح) : الْمَشْهُور فتح لَام: صلت، وَذكر القعْنبِي أَنَّهَا تكسر فِي لُغَة، وَقَالَ ابْن عديس: ضربه بِالسَّيْفِ صَلتا وصلتا بِالْفَتْح وَالضَّم، أَي مُجَردا، يُقَال: سيف صلت ومنصلت وأصلت: متجرد ماضٍ، قَوْله: (فَقَالَ: من يمنعك مني؟) اسْتِفْهَام يتَضَمَّن النَّفْي، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا مَانع لَك مني. قَوْله: (الله) ، أَي: يمنعك الله، قَالَه ثَلَاث مَرَّات، فَلم يبالِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقوله وَلَا عرج عَلَيْهِ ثِقَة بِاللَّه وتوكلاً عَلَيْهِ، فَلَمَّا شَاهد هَذَا الرجل تِلْكَ الْقُوَّة الَّتِي فَارق بهَا عَادَة النَّاس فِي مثل تِلْكَ الْحَالة، تحقق صدقه، وَعلم أَنه لَا يصل إِلَيْهِ بِضَرَر، وَهَذَا من أعظم الخوارق للْعَادَة، فَإِنَّهُ عَدو مُتَمَكن بِيَدِهِ سيف مَشْهُور وَمَوْت حَاضر، وَلَا تغير لَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِحَال وَلَا حصل لَهُ روع وَلَا جزع، وَهَذَا من أعظم الكرامات، وَمَعَ اقتران التحدي يكون من أوضح المعجزات. قَوْله: (وَلم يُعَاقِبهُ) أَي: وَلم يُعَاقب النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجلَ الْمَذْكُور. قَوْله: (وَجلسَ) ، حَال من الْمَفْعُول.

وَفِي الحَدِيث تفرق النَّاس عَن الإِمَام فِي القائلة وطلبهم الظل والراحة، وَلَكِن لَيْسَ ذَلِك فِي غير رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَاّ بعد أَن يبْقى مَعَه من يَحْرُسهُ من أَصْحَابه، لِأَن الله تَعَالَى قد كَانَ ضمن لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعصمة. وَفِيه: أَن حراسة الإِمَام فِي القائلة وَفِي اللَّيْل من الْوَاجِب على النَّاس، وَأَن تضييعه من الْمُنكر وَالْخَطَأ. وَفِيه: جَوَاز نوم الْمُسَافِر إِذا أَمن، وَأَن الْمُجَاهِد أَيْضا إِذا أَمن نَام وَوضع سلاحه، وَإِن خَافَ استوفز. وَفِيه: دُعَاء الإِمَام لأتباعه إِذا أنكر شخصا. وَفِيه: ترك الإِمَام معاقبة من جَفا عَلَيْهِ وتوعده، إِن شَاءَ، وَإِن أحب الْعَفو عَفا. وَفِيه: صَبر سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصفحه عَن الْجُهَّال.

٥٨ - (بابُ لُبْس البيْضَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة لبس الْبَيْضَة، قَالَ بَعضهم: الْبَيْضَة مَا يلبس فِي الرَّأْس من آلَات السِّلَاح، قلت: من آلَات السِّلَاح: السَّيْف وَالرمْح وَمَا يلبس فِي الرَّأْس، والبيضة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة: هِيَ الخودة، وَهِي مَعْرُوفَة.

١١٩٢ - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي حازِمٍ عنْ أبِيهِ عنْ سَهْلٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ سُئِلَ عنْ جُرْحِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ فَقال جُرِحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وهُشِمَتِ البيْضَةُ علَى رَأسِهِ فَكانَتْ فاطِمَةُ علَيْهَا السَّلَامُ تَغْسِلُ الدَّمَ وعَلِيٌّ يُمْسِكُ فَلَمَّا رَأتْ أنَّ الدَّمَ لَا يَزِيدُ إلَاّ كَثْرَةً أخَذَتْ حَصِيراً فأحْرَقَتْهُ حتَّى صارَ رَمادَاً ثُمَّ ألْزَقَتْهُ فاسْتَمْسَكَ الدَّمُ..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهشمت الْبَيْضَة على رَأسه) وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد، وَقد مر الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب الْمِجَن، ون يتترس بترس صَاحبه، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: (وهشمت) ، من الهشم، وَهُوَ كسر الشَّيْء الْيَابِس، وَقد أَمر الله تَعَالَى باتخاذ آلَات الْحَرْب فِي قَوْله: {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة ... } (الْأَنْفَال: ٠٦) . الْآيَة، فَأخْبر أَن السِّلَاح هُنَا إرهاب لِلْعَدو.

وَفِيه: أَيْضا تَقْوِيَة لقلوب الْمُؤمنِينَ من أجل أَن الله تَعَالَى جبل الْقُلُوب على الضعْف، وَإِن كَانَ السِّلَاح لَا يمْنَع الْمنية لَكِن فِيهِ تَقْوِيَة للقلوب، وَأنس لمتخذيه، وَأما لبس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السِّلَاح، وَإِن كَانَ مَحْفُوظًا من عِنْد الله، فلإرشاد أمته لتتقوى قُلُوبهم عِنْد الْحَرْب وَغير ذَلِك.

<<  <  ج: ص:  >  >>