٨١ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وإذَا حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُوا القُرْبَى واليَتَامَى والمَسَاكِينُ فارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (النِّسَاء: ٨) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم قَول الله تَعَالَى: {وَإِذا حضر الْقِسْمَة} (النِّسَاء: ٨) . الْآيَة وتمامها {وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا} (النِّسَاء: ٨) . قَوْله: {الْقِسْمَة} (النِّسَاء: ٨) . أَي: الْقِسْمَة: الْمِيرَاث. قَوْله: {أولُوا الْقُرْبَى} (النِّسَاء: ٨) . أَي: ذَوُو الْقُرْبَى مِمَّن لَيْسَ بوارث {واليتامى وَالْمَسَاكِين فارزقوهم مِنْهُ} (النِّسَاء: ٨) . أَي: فارضخوا لَهُم من التَّرِكَة نَصِيبا، وَكَانَ ذَلِك وَاجِبا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، وَقيل: كَانَ مُسْتَحبا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَالضَّمِير فِي: مِنْهُ، لما ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ.
ثمَّ اخْتلفُوا: هَل هُوَ مَنْسُوخ أم لَا؟ على قَوْلَيْنِ: فَقَالَت طَائِفَة: وَلَيْسَت بمنسوخة، مِنْهُم: مُجَاهِد وَأَبُو الْعَالِيَة وَالشعْبِيّ وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَالزهْرِيّ وَيحيى بن يعمر قَالُوا: إِنَّهَا وَاجِبَة. وَقَالَ الثَّوْريّ: عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي هَذِه الْآيَة، قَالَ: هِيَ وَاجِبَة على أهل الْمِيرَاث مَا طابت بِهِ أنفسهم، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَأبي مُوسَى وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنَا الْقَاسِم حَدثنَا الْحُسَيْن حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن الْحجَّاج عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: هِيَ قَائِمَة يعْمل بهَا. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَهِي محكمَة. وَقَالَت طَائِفَة هِيَ مَنْسُوخَة، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب، وروى ابْن مرْدَوَيْه، وَقَالَ: حَدثنَا أسيد بن عَاصِم حَدثنَا سعيد بن عَامر عَن همام حَدثنَا قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَة، كَانَت قبل الْفَرَائِض كل مَا ترك الرجل من مَال أعطي مِنْهُ الْيَتِيم وَالْفَقِير والمسكين وذوو الْقُرْبَى إِذا حَضَرُوا الْقِسْمَة، ثمَّ نسخ بعد ذَلِك، نسختها الْمَوَارِيث، فَألْحق الله بِكُل ذِي حق حَقه، وَصَارَت الْوَصِيَّة من مَاله يُوصي بهَا لِذَوي قرَابَته حَيْثُ يَشَاء، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن عِكْرِمَة وَأبي الشعْثَاء وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَأبي صَالح وَأبي مَالك وَزيد بن أسلم وَالضَّحَّاك وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، وَهَذَا مَذْهَب جُمْهُور الْفُقَهَاء الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وأصحابهم. قَوْله: {وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا} (النِّسَاء: ٨) . المُرَاد بِالْمَعْرُوفِ هُنَا، أَن يَقُول: خُذ بَارك الله لَك، هَذَا عِنْد من يَقُول: إِنَّهَا محكمَة، وَأما عِنْد من يَقُول: إِنَّهَا مَنْسُوخَة، فَهُوَ أَن يَقُول: إِنَّه مَال يَتِيم وَمَالِي فِيهِ شَيْء، أَو: لست أملكهُ، إِنَّمَا هُوَ للصغار.
٩٥٧٢ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا أَبُو عَوَانَةَ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ ابنِ جُبَيْرِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ إنَّ نَاسا يَزْعَمُونَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نُسِخَتْ وَلَا وَالله مَا نُسِخَتْ ولَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ هُمَا والِيَانِ والٍ يرِثُ وذَاكَ الَّذِي يَرْزُقُ ووَالٍ لَا يَرِثُ فَذَاكَ الَّذِي يَقولُ بالمَعْرُوفِ يَقولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ أنْ أُعْطِيكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن حَدِيث الْبَاب لِابْنِ عَبَّاس، وَالْآيَة الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة غير مَنْسُوخَة عِنْده، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية، واسْمه: إِيَاس الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده، وَذكره فِي التَّفْسِير من حَدِيث عِكْرِمَة، ثمَّ قَالَ: تَابعه سعيد عَن ابْن عَبَّاس يَعْنِي هَذَا بِزِيَادَة، قَالَ: هِيَ محكمَة، وَلَيْسَت بمنسوخة، وَادّعى أَبُو مَسْعُود فِي أَطْرَافه إرْسَاله يُرِيد: مُرْسل صَحَابِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على صَحَابِيّ لَا مُرْسل، لِأَن الْإِرْسَال لَا بُد فِيهِ من ذكر سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: وَالله مَا نسخت، يَقْتَضِي إِعْطَاء شَيْء من التَّرِكَة للحاضرين فِي قَوْله: {وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولو الْقُرْبَى} .
قَوْله (وَلكنهَا) أَي وَلَكِن قَضِيَّة الْآيَة مِمَّا تهاون النَّاس فِيهَا وَلم يعملوا بِمَا فِيهَا قَوْله (هما) أَي المتصرفان فِي التَّرِكَة والمتوليان أمرهَا قِسْمَانِ أَحدهمَا وَال متصرف يَرث المَال كالعصبة مثلا وَالْآخر وَال يتَصَرَّف لَا يَرث كولي الْيَتِيم.
قَوْله: (وَذَاكَ الَّذِي يرْزق) ، إِشَارَة إِلَى الْوَالِي الَّذِي يتَصَرَّف وَيَرِث هُوَ الَّذِي يرْزق الْحَاضِرين الْقِسْمَة من أولي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين، وَمعنى: يرْزق، يرْضخ لَهُم مَا طابت أنفسهم وَلم يعين فِيهِ شَيْئا مُقَدرا. قَوْله: (فَذَاك الَّذِي يَقُول) إِلَى آخِره، إِشَارَة إِلَى الْوَالِي الَّذِي يتَصَرَّف وَلَا يَرث، فَإِنَّهُ يَقُول: لَا أملك لَك أَن أُعْطِيك شَيْئا. وَهُوَ الَّذِي خُوطِبَ بقوله: {وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا} (النِّسَاء: ٨) . قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الْخطاب للْوَرَثَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute