رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: فَأَتَاهُ إِنْسَان، وَقد مر فِي كتاب الْأَطْعِمَة: فَسَقَاهُ مَجُوسِيّ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن وَكِيع عَن شُعْبَة: استسقى حُذَيْفَة من دهقان أَو علج. قَوْله: (بقدح فضَّة) بِالْإِضَافَة مثل خَاتم فضَّة، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن حَفْص شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: بِإِنَاء من فضَّة، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عبد الله بن عكيم: كُنَّا عِنْد حُذَيْفَة فجَاء دهقان بشراب فِي إِنَاء من فضَّة، وَيَأْتِي فِي اللبَاس عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة بِلَفْظ: بِمَاء فِي إِنَاء. قَوْله: (فَرَمَاهُ بِهِ) أَي: رمى الدهْقَان بالقد، ويوضحه رِوَايَة وَكِيع: فجذفه بِهِ، قَوْله: (إِنِّي لم أرمه) أَي الْقدح، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: لم أكسره، وَهَذَا اعتذار من حُذَيْفَة لِأَنَّهُ تقدم إِلَى دهقان مرّة أَو مرَّتَيْنِ، وَيَقُول: لم أفعل بِهِ هَذَا، وَهُوَ معنى قَوْله: (إلَاّ أَنِّي نهيته) أَي: الدهْقَان فَلم ينْتَه، ويوضح هَذَا رِوَايَة يزِيد: لَوْلَا أَنِّي تقدّمت إِلَيْهِ مرّة أَو مرَّتَيْنِ، وَرِوَايَة عبد الله بن عكيم: إِنِّي أَمرته أَن لَا يسقيني فِيهِ، ثمَّ قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا ... إِلَى آخِره. قَوْله: (والديباج) هُوَ الثِّيَاب المتخذة من الإبريسم، وَهُوَ فَارسي مُعرب. قَوْله: (هن) كَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة، أبي دَاوُد: هِيَ، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: هُوَ، أَي: جَمِيع مَا ذكر. قَوْله: (لَهُم) أَي: للْكفَّار، والسياق يدل عَلَيْهِ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ المُرَاد بقوله: (هن لَهُم فِي الدُّنْيَا) إِبَاحَة استعمالهم إِيَّاه، وَإِنَّمَا الْمَعْنى بقوله: (لَهُم) أَي: هم يستعملونه مُخَالفَة لزي الْمُسلمين، وَكَذَا قَوْله: (وَلكم فِي الْآخِرَة) أَي: تستعملونه مُكَافَأَة لكم على تَركه فِي الدُّنْيَا، ويمنعه أُولَئِكَ جَزَاء لَهُم على معصيتهم بِاسْتِعْمَالِهِ. قلت: الظَّاهِر أَن الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ فِي الدُّنْيَا لَا يتعاطاه فِي الْآخِرَة، كَمَا فِي شرب الْخمر. وَالْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي الْخمر على الْوَجْه الَّذِي فِيهَا.
٢٨ - (بابُ آنِيةَ الفِضَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم اسْتِعْمَال آنِية الْفضة. وَإِنَّمَا أفرد هَذِه التَّرْجَمَة مَعَ أَنَّهَا دَاخِلَة فِي التَّرْجَمَة السَّابِقَة لِأَن فِي حَدِيث التَّرْجَمَة الأولى بيَّن حُرْمَة الذَّهَب وَالْفِضَّة بِلَفْظ الْإِخْبَار بِالْفِعْلِ الْمَاضِي من النَّهْي، وَهنا بيّن بِلَفْظ: لَا تشْربُوا، وَبَينهمَا فرق لَا يخفى.
٥٦٣٣ - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا ابنُ أبي عَدِيٍّ عنِ ابنِ عَوْنٍ عنْ مُجاهدٍ عنِ ابنِ أبي لَيْلَى، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ، وَذَكَر النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَشْرِبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وَلَا تَلْبِسُوا الحَرِيرَ والدِّيباجَ فإنَّها لَهُمْ فِي الدُّنْيا ولَكُمْ فِي الآخِرَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد، وَاسم أبي عدي إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ، وَابْن عون عبد الله بن عون، وَابْن أبي ليلى عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: (خرجنَا مَعَ حُذَيْفَة وَذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَكَذَا ذكره مُخْتَصرا، وَفِيه حذف كثير بَينه الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: خرجنَا مَعَ حُذَيْفَة إِلَى بعض السوَاد، فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دهقان بِإِنَاء من فضَّة فَرمى بِهِ فِي وَجهه، قَالَ: فَقُلْنَا: اسْكُتُوا، فَإنَّا إِن سألناه لم يحدثنا، قَالَ: فسكتنا، فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك قَالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ رميت بِهَذَا فِي وَجهه؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: ذَلِك أَنِّي كنت نهيته. قَالَ: فَذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة) . الحَدِيث، وَأَصله فِي (صَحِيح مُسلم) إلَاّ أَنه ذكر بعضه مقطعاً.
٥٦٣٤ - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكُ بنُ أنَسٍ عنْ نافِعٍ عنْ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق عنْ أمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ رسولَ الله قَالَ: الَّذِي يَشْرَبُ فِي إناءٍ الفِضَّةِ إنَّما يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نارَ جَهَنَّم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي إِنَاء الْفضة) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَزيد بن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ تَابِعِيّ ثِقَة، وَقد مَضَت رِوَايَته عَن أَبِيه فِي إِسْلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هذَيْن الْحَدِيثين، وَهَذَا الْإِسْنَاد كُله مدنيون، وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق هُوَ ابْن أُخْت أم سَلمَة الَّتِي روى عَنْهَا هَذَا الحَدِيث، وَأمه قريبَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة المخزومية، وَهُوَ ثِقَة مَاله فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ اسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَعَن آخَرين. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن عَليّ بن حجر بِهِ، وَعَن غَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَشْرِبَة عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ.
قَوْله: (يجرجر) بِضَم الْيَاء وَفتح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء